للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

قتل المختار، فظهر مصعب بن الزبير على الكوفة. فاشتدّ أمر عبد الله بن الزبير وتضعضع أمر أصحاب ابن الحنفيّة، وانقطعت موادّهم واشتدّت حاجتهم. وقال ابن الزبير لابن عبّاس: ألم يبلغك قتل الكذّاب؟

فقال: ومن الكذّاب؟

قال: ابن أبي عبيد.

فقال: بلغني قتل المختار.

قال: كأنّك تكره تسميته كذّابا وتتوجّع له؟

فقال: ذلك رجل قتل قتلتنا وطلب بدمائنا وشفى غليل صدورنا وليس جزاؤه منّا الشتم والشماتة.

فقال ابن الزبير: لست أدري أأنت معنا أم علينا؟

ومرّ ابن عبّاس بعروة بن الزبير فقال: قد قتل الكذّاب المختار وهذا رأسه.

فقال: إنّه قد بقيت لكم عقبة، فإن صعدتموها فأنتم أنتم- يعني عبد الملك بن مروان وأهل الشام.

وبعث ابن الزبير إلى ابن الحنفيّة: إنّ البلاد قد اقتحمت، وإنّ الأمور قد استوسقت. فاخرج إليّ فادخل فيما دخل فيه الناس، وإلّا، فإنّي منابذك- وكان رسوله بذلك عروة بن الزبير.

فقال له: توصي لأخيك بالجدّ في إسخاط الله وتغفله عن ذات الله!

وقال لأصحابه: بلغني أنّ هذا العدوّ الذي قربت داره وساء جواره واشتدّت غائلته، يريد أن يثور إلينا بمكاننا هذا من يومنا هذا. وقد أذنت لمن أحبّ الانصراف عنّا في ذلك، فإنّه لا ذمام عليه منّا ولا لوم. فإنّي مقيم حتّى يفتح الله بيني وبينه وهو خير الفاتحين.

فقام إليه أبو عبد الله الجدليّ، ومحمد بن نشر، وعبد الله بن [١٢٩ ب] سيفي فتكلّموا وأعلموه أنّهم غير مفارقيه. وجدّ ابن الزبير في قتال ابن الحنفيّة، وكره ابن الحنفيّة أن يقاتله في الحرم. وقد كان خبر ابن الحنفيّة انتهى إلى عبد الملك بن مروان وبلغه فعل ابن الزبير. فبعث إليه يعلمه أنّه إن قدم عليه أحسن إليه، وعرض عليه أن ينزل إلى الشام [حيث] شاء حتى يستقيم أمر الناس. وكتب عبد الله بن عبّاس إلى عبد الملك في محمد بن الحنفيّة كتابا يسأله فيه الوصاة به والعناية بشأنه والحيطة عليه إذا صار إلى الشام. فأجابه عبد الملك بكتاب حسن يعلمه فيه قبوله وصيانته ويسأله أن ينزل به حوائجه.

[[خروجه إلى الشام هروبا من ابن الزبير]]

فخرج ابن الحنفيّة وأصحابه يريدون الشام، وخرج كثيّر عزّة أمامه وهو يقول [الرجز]:

هديت يا مهديّنا ابن المهتدي ... أنت الذي نرضى به ونرتجي

أنت ابن خير الناس من بعد النبيّ ... أنت إمام الحقّ، لسنا نمتري

يا ابن عليّ سر ومر مثل عليّ (١)

وأتى ابن الحنفيّة مدين وبها المطهّر بن حرّ العكّي من قبل عبد الملك. فحدّثه أصحابه بما كان من غدر عبد الملك بعمرو بن سعيد الأشدق بعد أن أعطاه العهود المؤكّدة، فحذره.

ونزل أيلة، فتحدّث الناس بفضل محمد وكثرة صلاته وزهده وحسن هديه. فلمّا بلغ عبد الملك ندم على إذنه له في قدوم بلده، وكتب إليه: إنّك قدمت بلادنا بإذن منّا. وقد رأيت ألّا يكون في


(١) في ديوان كثيّر ٤٩٦: ومن مثل عليّ؟

<<  <  ج: ص:  >  >>