فاضطرب ثمّ قال: أي منزل نحن فيه؟
قالوا: بكربلاء.
قال: يوم كرب وبلاء.
فوجّه إليه ابن زياد عمر بن سعد بن أبي وقّاص في أربعة آلاف. وكان استعمله قبل ذلك على الريّ وهمذان، وقطع ذلك البعث معه. فلمّا أمره بالمسير إلى الحسين تأبّى ذلك وكرهه واستعفى منه. فقال لها ابن زياد: أعطي الله عهدا، لئن لم تسر إليه وتقدم عليه لأعزلنّك عن عملك وأهدم دارك وأضرب عنقك.
قال: إذن أفعل.
فجاءته بنو زهرة فقالوا: ننشدك الله أن تكون أنت الذي يلي هذا من حسين، فتبقى عداوة بيننا وبين بني هاشم.
فرجع إلى ابن زياد فاستعفاه فأبى أن يعفيه فصمّم وسار إليه. ومع الحسين يومئذ خمسون رجلا، وأتاه من الجيش عشرون وكان معه من أهل بيته تسعة عشر رجلا. فلمّا رأى الحسين عمر بن سعد قد قصد له فيمن معه، قال: يا هؤلاء، اسمعوا يرحمكم الله، ما لنا ولكم؟ ما هذا الضّنّ بكم يا أهل الكوفة؟ .
قالوا: خفنا طرح العطاء.
قال: ما عند الله من العطاء خير لكم. يا هؤلاء، دعونا نرجع من حيث جئنا.
قالوا: لا سبيل إلى ذلك.
قال: فدعوني أمضي إلى الريّ فأجاهد الديلم.
قالوا: لا سبيل إلى ذلك.
قال: فدعوني أذهب إلى يزيد بن معاوية فأضع يده في يدي.
قالوا: لا، لكن ضع يدك في يد عبيد الله بن زياد.
قال: أمّا هذه فلا.
قالوا: ليس لك غيرها.
[[المفاوضة بين ابن زياد والحسين]]
وبلغ ذلك ابن زياد، فهمّ أن يخلّي عنه، وقال:
والله ما عرض لشيء من عملي، وما أراني إلّا مخلّي سبيله [٤٠٠ ب].
فقال له شمر بن ذي الجوشن أوس بن الأعور- وقيل: شرحبيل (١) - الضبابي: [أمكنك الله من عدوّك فتسيّره! إلّا أن ينزل في حكمك! ].
فكتب إلى عمر بن سعد [الكامل]:
الآن حين تعلّقته حبالنا ... يرجو النجاة ولات حين مناص
فناهضه.- وقال لشمر بن ذي الجوشن: سر بها إلى عمر بن سعد. فإن مضى لما أمر به وقاتل حسينا، وإلّا فاضرب عنقه، وأنت على الناس.
وجعل الرجل والرجلان والثلاثة يتسلّلون إلى الحسين من الكوفة. وبلغ ذلك ابن زياد، فخرج وعسكر بالنخيلة، واستعمل على الكوفة عمرو بن حريث. وأخذ الناس بالخروج إلى النخيلة وضبط الجسر فلم يترك أحدا يجوزه. وعقد للحصين بن تميم الطهويّ على ألفين، ووجّهه إلى عمر بن سعد مردّا له. فقيل: خرجوا إلى الحسين على دينارين دينارين. وقدم شمر بن ذي الجوشن الضبابيّ على عمر بن سعد بما أمره به ابن زياد، عشيّة الخميس لتسع خلون من المحرّم سنة إحدى وستّين بعد العصر. فنودي في العسكر فركبوا،
(١) أوس بن الأعور أو شرحبيل بن الأعور هو اسم ذي الجوشن- الجمهرة لابن حزم، ٢٨٧.