للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

مصر، فنزل بالناس من العرب والعشير بلاء عظيم.

وقتل في هذه الوقعة الأمير كرت نائب طرابلس، والأمير ناصر الدين محمد ابن الأمير أيدمر الحلبيّ، وبلبان التقوي، من أمراء طرابلس، وبيبرس الغتمي نائب قلعة الورق بمرقب، وأزبك نائب بلاطنس (١)، وبيليك الطيّار، من أمراء دمشق، ونوكاي التتري، وآقوش كرجي الحاجب، وآقوش المطروحي حاجب دمشق، ونحو الألف من أجناد الحلقة والمماليك. وفقد قاضي القضاة الحنفيّ بدمشق، حسام الدين حسن بن أحمد الرومي، وعماد الدين إسماعيل ابن الأثير الموقّع (٢). وقتل من جموع غازان نحو الأربعة عشر ألفا.

ثمّ إنّ غازان نزل وقت العشاء الآخرة على حمص، وبها الخزائن السلطانيّة مع الأمير ناصر الدين محمّد ابن الصارم، فأحاط بها وسار إلى دمشق وقد امتلأت أيدي أصحابه بالأموال الجليلة القدر. ولم يبق بدمشق إلّا القليل فإنّه وقع فيهم وقت الظهر من يوم السبت المذكور صيحة عظيمة خرج فيها النساء باديات الوجوه، وترك الباعة الحوانيت بما فيها وتسارع الناس يخرجون من دورهم، فمات في الزحام خلائق بأبواب المدينة.

وبقي الناس في القرى ورءوس الجبال كأمثال الجراد المنتشر. ومضى الكثير منهم إلى مصر.

وخرج أهل السجون في ليلة الأحد فامتدّت الأيدي لنهب الأموال [٨٨ أ] من عدم الحاكم واجتمع من تأخّر من الناس بالجامع الأمويّ واتّفقوا على لقاء غازان.

فخرج قاضي القضاة بدر الدين محمد ابن

جماعة الشافعيّ، وشيخ الإسلام أحمد بن تيميّة في جمع موفور من الفقهاء والأعيان وغيرهم، في يوم الاثنين ثالثه بعد الظهر، فوافوا غازان على النّبك (٣) وهو سائر، فترجّلوا له وقبّل بعضهم الأرض. فوقف لهم، ونزلت عساكره عن خيولها، وقام الترجمان بينه وبين الناس- فطلبوا منه الأمان، وقدّموا له شيئا كان معهم، فلم يلتفت إلى تقدمتهم، وقال: قد بعثت إليكم بالأمان- وصرفهم، فعادوا إلى دمشق بعد العصر يوم الجمعة. ولم يخطب يومئذ في دمشق باسم أحد، فوجدوا أمان غازان قدم من يوم الخميس. ثمّ اجتمع في يوم الجمعة المذكور جماعة من التتر عليهم إسماعيل التتريّ، فاجتمع الناس يوم السبت ثامنه بالجامع وقرئ عليهم الأمان. وأقام إسماعيل بالمدينة، وجمعت الخيول والبغال والأموال من يوم السبت. فنزل غازان على المدينة يوم الاثنين عاشره، وعاثت عساكره في الغوطة وظاهر المدينة تنهب وتفسد، وانتشروا إلى القدس فنهبوا الأغوار إلى غزّة وأسروا خلقا كثيرا.

[[صمود أرجواش بقلعة دمشق]]

وكان بقلعة دمشق الأمير علم الدين سنجر أرجواش، فامتنع بها وأبي من تسليمها، إلى يوم الجمعة رابع عشره، فخطب لغازان على منبر دمشق، وقرئ تقليد الأمير قبجك المستحبّ إليه بنيابة دمشق وحلب وحماة وحمص. فلمّا كان يوم السبت خامس عشره ابتدأ التتر في نهب الصالحيّة خارج دمشق فما عفّوا ولا كفّوا حتى قام ابن تيميّة في ذلك مع غازان ومنعهم، في يوم الاثنين ثامن عشره. فانتقل التتار منها ونهبوا المزّة وداريّا وقتلوا كثيرا من الناس. فخرج ابن تيميّة إلى غازان


(١) بلاطنس: حصن قبالة اللاذقيّة (ياقوت).
(٢) الموقّع أو كاتب الدرج، السلوك ١/ ٨٨٨ هامش ٣.
(٣) النّبك: بين حمص ودمشق (السلوك).

<<  <  ج: ص:  >  >>