فإذا بصرير نعل من خلف السرادق. فقال: يا غلام، جئني بصاحب هذا النعل! .
فأخرجت إليه جارية سوداء. فقال: ما كنت تعملين ههنا؟
قالت: جئت إلى الخادم أعرّفه أنّي قد فرغت من الطبخ فأستأذن في تقديمه.
فقال: انصرفي لشأنك.
فعلمت أنّه أراد تعريفي أنّ ذلك الوطء وطء سوداء مبتذلة وأنّها ليست من حرمه ولا من مصونة، فيزيل عنّي أن أظنّ مثل ذلك في حرمه.
فهل يكون هذا من فعل مغفّل؟
ويقال إنّ المقتدر لمّا قبض عليه، أنفذ إلى داره من يحصي ما فيها ويحمله، فوجد في جملة قماشه سبعمائة مزمّلة خيازر فما ظنّك بمروة (١) وقماش يكون هذا في جملته؟
[[نوادر أخرى في حمقه المزعوم]]
وممّا يحكى من حمقه أنّه كان يقول في دعائه:
اللهمّ، اغفر لي من ذنوبي ما تعلم وما لا تعلم.
وقال يوما للوزير علي ابن الفرات: يا سيّدي، عندنا في الحويرة كلاب لا يتركوننا ننام من الصياح والقتال.
فقال: أحسبهم جراء؟
فقال: لا تظنّ أيّها الوزير ذلك، كلّ كلب مثلي ومثلك.
ونظر في المرآة مرّة فقال لرجل: انظر ذقني هل كبرت أو صغرت؟
فقال: إنّ المرآة بيدك!
قال: صدقت، ولكنّ الحاضر يرى ما لا يرى الغائب.
ورؤي وهو يبكي وينتحب. فقيل له: ما لك؟
قال: أكلت اليوم مع الجواري المخيض بالبصل فآذاني. فلمّا قرأت في المصحف: وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذىً فَاعْتَزِلُوا النِّساءَ فِي الْمَحِيضِ [البقرة: ٢٢٢] قلت: ما أعظم قدرة الله! قد بيّن كلّ شيء، حتّى أكل اللبن مع الجواري.
وأراد مرّة أن يدنو من بعض جواريه فامتنعت عليه فقال: أعطي الله عهدا: لا قربتك إلى سنة، لا أنا ولا أحد من جهتي!
وقال يوما: قد جربت يديّ: لو غسلتها ألف مرّة لم تنظف حتّى أغسلها مرّتين.
وماتت أمّ أبي إسحاق الزجّاج، فاجتمع الناس عنده للعزاء. فأقبل ابن الجصّاص وهو يضحك ويقول: يا أبا إسحاق، والله سرّني هذا!
فدهش الزجّاج والناس، فقال بعضهم: يا هذا، كيف سرّك ما غمّه وغمّنا؟
قال: ويحك! بلغني أنّه هو الذي مات، فلمّا صحّ عندي أنّها أمّه سرّني ذلك.
فضحك الناس.
وكان يكسر يوما لوزا، فطفرت لوزة وأبعدت، فقال: لا إله إلّا الله، كلّ الحيوان يهرب من الموت، حتى اللوز! .
وقال مرّة في دعائه: اللهمّ، إنّك تجد من تعذّبه غيري، وأنا لا أجد غيرك يغفر لي [٣٩٠ أ] فاغفر لي.
وقال: اللهمّ، امسخني جويريّة وزوّجني بعمر ابن الخطّاب.
فقيل له: سل الله أن يزوّجك من النبيّ صلّى الله عليه وسلم إن
(١) لم نفهم هاتين الكلمتين.