للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

أنّ القاضي له من الثناء الجميل كثير، ونحن شاكرون له، معتذرون بجميله، مفتقرون إلى جاهه في جميع أمورنا. واعتفاؤه من هذا الأمر لا يبرئه من ذمّنا إن وقفت حوائجنا، ويكون الشكر فيه لغيره إن قضيت. وهذا الرجل عميد الملك هوذا يحمل الرجال عليه ويشعرهم أنّه يجهد في قضاء حوائجهم، وأنّه يعترضه بما يبطلها عليهم، وفي هذا الأمر ما يعلمه. فقل له عنّي: يا سيّدنا، أمّا إذا تريد شكر الرجال وسلامة صدورهم لك وخلاص نيّاتهم في طاعتك، فادخل في هذا الأمر، فإن أحسنت عرفوا ذاك لك وشكروه منك، وإن أسأت كان لك ضرره وشرّه. وإلّا فاعتزل جانبا ولا تلعب بروحك مع الرجال لئلّا يتلفك أبو الفضل. وإن أذن لي في المثول بحضرته ذكرت له ذلك.

فلمّا بلّغ هذا لليازوريّ قال له: أمهلني الليلة وبكّر إليّ.

فبكّر إليه وهو خال، فقال له: أعد عليّ قول ناصر الدولة.

فأعاده، فقال: اقره عنّي السلام، وقل له: والله إلّا أدخل فيه ويكون لي خيره وشرّه!

فأبلغ ذلك ناصر الدولة، فقال: هذا هو الصواب.

[[ارتقاؤه الوزارة]]

فلمّا كان بعد يومين قرئ سجلّه بالوزارة ولقّب بالوزير الأجلّ، الأوحد، المكين، سيّد الوزراء، وتاج الأصفياء، وقاضي القضاة، وداعي الدعاة، علمالمجد، خالصة أمير المؤمنين. وخلع عليه في اليوم السابع من المحرّم فنظر في الوزارة،

ومضى فيها مضيّ الجواد، ونهض مسرعا بنهوض غبّر به في وجوه من تقدّمه.

وكاتب ملوك الأطراف فأجابوه بما يليق بقدره ووفور حقّه من الرئاسة، ما خلا معزّ بن باديس صاحب إفريقيّة، فإنّه قصّر به في المكاتبة عمّا كاتب به من تقدّمه من الوزراء. وكان يكاتب كلّا منهم ب «عبده»، فجعل مكاتبته «صنيعته». وكان لابن باديس بالقاهرة نائب (١)، فاستدعاه اليازوريّ وعتب صاحبه وقال له: أظنّه انتقصني عمّن تقدّمني إذ لم أكن من أهل صناعة الكتابة. وإن لم أكن أوفى منهم، فما أكون دونهم. ومن رفعه السلطان ارتفع وإن كان خاملا، ومن وضعه اتّضع وإن كان جليلا نبيلا. فاكتب إليه بما يرجعه إلى الصواب.

فكتب إليه بذلك، وقد أذكى اليازوريّ عليه عيونا يطالعونه بما يتفوّه به. فلمّا وقف ابن باديس على كتاب وكيله، قال: ما الذي يريد منّي هذا الفلّاح؟ [أن] أكتب له «عبده» وهو أكّار (٢)؟ والله لا كان هذا أبدا! وإنّ الذي كتبت إليه لكثير.

فطالعه عيونه بقول ابن باديس، فأحضر الوكيل وقال له: قد جرى صاحبك على عادته في الجهل، فاكتب إليه بما يردعه، وإلّا عرّفته بنفسي إذ لم يعرفني.

فكتب إليه بذلك فأجاب بأقبح من الأوّل، فدسّ إليه اليازوريّ من تلطّف حتّى أخذ سكّين دواته، فلمّا وصلت إليه أحضر الوكيل، وقال له:

قد كنت أظنّ بصاحبك أنّ الذي حمله على ما كان منه نزوة الشبيبة وقلّة خبرة بما تقضي به الأقدار، وأنّه إذا نبّه تنبّه. فإذا الجهل مستول عليه، وظنّه


- ٣٠٦ في سجن المقتدر، فلا يمكن أن يكون معاصرا لوزارة اليازوريّ، ولا نعلم للحسين بن حمدان ابنا يسمّى الحسن.
(١) في الاتّعاظ ٢/ ٢١٢: هذا الوكيل للصنهاجيّ يسمّى أبا القاسم ابن الأخوة.
(٢) الأكّار: حرّاث الأرض.

<<  <  ج: ص:  >  >>