للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وسار حمير في بلاد المغرب يوقع بالأمم حتى بلغ البحر المحيط. وأجرى على القبط وهم بقمونية الخراج، ورجع إلى مصر بعد ما أقام في بلاد المغرب مائة عام بيني المدن ويتّخذ المصانع. فمات أخوه بابليون بمصر فولي بعده ابنه امرؤ القيس ابن بابليون على مصر. وفي أثناء ذلك تكبّرت ثمود وطغت على بني كنعان وغيرهم من الأمم المجاورة لها. فبعث الله إليهم صالح بن عرم بن شاهد بن هميسع بن هرير بن عميل بن عابر بن أرفخشد بن سام بن نوح [٤٧١ ب] رسولا، فعصوه وعقروا الناقة التي سألوه أن يخرجها لهم من الصخرة، فأهلكهم الله بالصيحة.

وكانت كتابة حمير بالمسند. وسمّي بذلك لأنّه أسند (١) إلى نبيّ الله هود عليه السلام، فأمر في منامه بأن ينزّه الكتاب المسند عن أن يرقم على الحديد والأعلام التي ينصبها على الأقاليم بالحجارة وعلم في منامه الخطّ الحميريّ، وصورته:

[خط الحميري ص ٦٩٣]

فلمّا ملك الأرض بأسرها وطال عمره حتّى بلغ أربعمائة وخمسا وأربعين سنة، مات. وقد أقام في الملك أربعمائة سنة. وقام من بعده ابنه وائل بن حمير، واستمرّ الملك في عقبه.

وكان حمير إذا قعد في مجلس الملك قعد أخوه

كهلان عن يمينه وإذا أتاه كهلان لطعام، قعد إلى جانبه، ثمّ أتى بطشتين وإبريقين فصبّ عليهما معا، ثمّ أدني للأيمن يمنة وللأيسر يسرة حتّى يعمّالغسل جميع الجلساء. فكانا أوّل من أحدث في غسل الأيدي طشتين لليمين والشمال.

واقتصر كهلان على ما حكم له به أبوه سبأ، وتسلّم الأعنّة وملك الأطراف والثغور، فقام به أحسن قيام، ورتّب الولاة. وسأل أخاه حمير في إعانته، فأمر له بالأموال والخيول والإبل والطعام والأسلحة والروايا ونحو ذلك. وتقدّم إلى أهل المملكة بامتثال ما يأمر به كهلان.

فندب كهلان إلى أرض الحجاز جرهم ولفيفها وولّى عليهم سيّدهم هيّ بن بيّ بن جرهم بن الغوث بن يشدد بن سعد بن جرهم بن قحطان بن غابر، وأمرهم أن يسمعوا له ويطيعوا أمره، وقسم عليهم الخيل والعدد والسلاح والزاد والروايا، وأعطاهم. وكتب هيّ بن بيّ كتابا إلى ساكني الحجاز من العمالقة، وهب وسعد بن هزّان الأولى وبني مطر وبني الأزرق وغفار، بالسمع والطاعة ودفع الإتاوة، فكان كتاب عهده الذي كتبه هي بن بيّ [طويل]:

ألائك من كهلان عن أمر حمير ... لعامله هيّ بن بيّ بن جرهم (٢)

إلى من بأعراض الحجاز محلّه ... من الناس طرّا من فصيح وأعجم [٤٢٠ أ]

على أنّ هيّا ليس يعصى وأنّه ... لديهم لذو أمر أثير مقدّم

وإلّا فلا يلحون إلّا نفوسهم ... إذا ما منوا بالقيروان العرمرم (٣)


(١) في المخطوط: استند. وفي كتاب التيجان، ٥٤ تفصيل لرؤيا حمير، وثبت بالحروف التي أوحي بها إليه (ولكنّ اللوحة مفقودة من النسخة المصوّرة التي اطّلعنا عليها).
ويمكن مقارنة الحروف التي نقلها المقريزيّ هنا بالجدول الذي أثبته ناشر كتاب «فرجة الهموم والحزن» ص ٢٠.
(٢) ألائك ج ألوكة: رسالة.
(٣) في الهامش: بالهيضليّ العرمرم. والهيضل: الجيش الكثير.

<<  <  ج: ص:  >  >>