فخرج [٤٧٢ أ] هي بن بيّ إلى الحجاز بمن معه، ووليها وتمكّن بها، حتّى غلبت جرهم العماليق الأولى على الحجاز.
ثمّ جهّز كهلان إلى أرض نجد ممّا تياسر من الطائف إلى حضن فإلى ضربة فإلى حدود اليمامة، وندب الهميم بن عاصم بن جلهمة الجديسي في قومه جديس الذين تخلّفوا باليمن وولّاه على ساكني هذه البلاد من أهل الوبر، وأمرهم بالسمع والطاعة، وكتب إليهم وإلى ساكني نجد من ظاهرة العمالقة وعبد الأولى وعبد بن ضخم كتابا وهو:
باسمك اللهمّ [الطويل]:
من ابن سبأ كهلان عن أمر حمير ... إلى أهل نجد للهميم بن عاصم
على أنّ لا يعصى الهميم وأنّه ... يطاع ويعطى الخرج خرج السوائم
وإلّا فلا يلحون إلّا نفوسهم ... إذا ما منوا بالخيل تحت الضراغم
فسار الهميم في جديس حتّى توسّط بلاد نجد ما بين اليمامة وجبلي طيّئ والطائف وملكها وأخذ من أهلها الإتاوة وأنفذها إلى كهلان.
ثمّ دعا كهلان لعمرو بن جحدر، أحد من تخلّف باليمن من ثمود بن غابر، فجرّده إلى تيماء فالوادي فخيبر إلى ما قارب أيلة، وعقد له الولاية على ساكني تلك البلاد من ثمود وزهرة بن عمليق، وكان كتابه [الطويل]:
من ابن سبأ كهلان عن أمر حمير ... إلى ساكني الوادي لعمرو بن جحدر
على طاعة منهم لعمرو بن جحدر ... وللقيل كهلان وللملك حمير
ودفع الإتاوات التي يسألونها ... إلى عاملي عمرو الهمام الغضنفر
وإلّا فلا يلحون إلّا نفوسهم ... إذا زارهم بالبيض والسمر عسكري
فسار عمرو وقطن تيماء.
ويقال إنّ حمير توفّي لسبع مائة واثنتين وأربعين سنة قمريّة من الطوفان. ويذكر أنّه لمّا احتضر قال لابنه وائل بن حمير وقد أقامه في الملكبعده وأنزل قصر غمدان: يا بنيّ، إنّي لا أحبّ ثقل الثرى وغمّ الضريح، ولكن اجعلوا لي نفقا في هذا الجبل، جبل عبقر، ثم أقعدوني فيه.- ففعل به ابنه وائل ذلك. فكان حمير أوّل من جعل في مغارة، ووضع ابنه وائل معه جميع لأمته غيرة وأنفة أن يلبسها أحد من بعده. وكتب في لوح من رخام، وعلّقه عند رأسه، هذه الأبيات [كامل]:
غبر العرنجج مدّة من دهره ... بعد الإقامة والأسى لم يغبر (١)
وأراش دهرا لا تطيش سهامه ... ورمى فأثبت في العلى من حمير
قبر الندى والجود عند محلّه ... والشخص باد فيهم لم يقبر
[٤٧٢ ب] ماتت لميتته المعالي جمّة ... والعزّ أصبح ثاويا في عبقر
ويقال إنّ أولاد حمير هم: وائل، والعدد في بنيه، ومنهم عامّة التبابعة- ومالك، وعامر، وعوف، وسعد، وعمرو. فولد وائل بن حمير:
السكسك، ورعين الأكبر، وأوزاع، وذا الكلاع.
وولد مالك بن حمير: قضاعة بن مالك بن حمير، وهوازن، والعفو، والأسطور، ويغفر.
وولد عامر بن حمير: دهمان. وولد دهمان يحصب.
وولد سعد بن حمير: السّلف وأنعام.
(١) التيجان، ٥٦.