للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

لقبح أفعاله التي لا تليق بالحكّام، وجرأته عليهم.

فإنّه كان إذا جلس بدار العدل يأخذ المجلس بحديثه مع السلطان بالتركيّ، وينكّت على القضاة ويضع منهم. وإذا تخاصم إليه رجل وامرأته، قامفي نصرة المرأة. وتصدر منه مع ذلك [٤٧٠ ب] قبائح، منها أنّ امرأة دخل بها أبوها إليه فادّعت على زوجها بمبلغ صداقها وكسوتها، فإذا منجّم (١) صداقها في كلّ سنة دينار. فأمرها بكشف وجهها فكشفت عن صورة جميلة، فقال لأبيها: يا مدمّغ (٢)، مثل هذه تزوّجها بدينار كلّ سنة؟ والله يا مدمّغ يسوي مبيتها كلّ ليلة مائة درهم! - ثمّ قال لزوجها: يا نحس، تستغلي أن تكون هذي بهذا القدر؟ والله أنت أدمغ من أبيها!

وكان يكثر من السخف، بحيث إنّه قال للأمير قوصون بحضرة الأمراء إنّه، وهو محتسب ببغداد، وقف على دكّان حلوانيّ قد عمل من دبس القسب سياطة بيضاء وأخبره أنّه قصّرها بالبيض (٣)، فقال له: ويلك! مجنون أنت! أنا عندي جارية سوداء لي عشر سنين أقصّرها بالبيض ما ابيضّت!

وادّعت عنده امرأة على زوجها بحقّ وجب فيه حبسه، فأمر بحبسه. فقال الرجل: وتكون امرأتي في سجن البغداديّة حتى أحصّل ما لها عليّ؟

فقال القاضي: أنت مجنون! أنا أحقّ من البغداديّة! - وأشار لنقيبه فأطلعها إلى طبقة في دار القاضي، فأقامت عنده أشهرا. وكانت المحاكمة عنده بين الخصمين تقيم مدّة لكثرة عيّه

وتلبيكه (٤) الأمور.

ودعي مرّة إلى عقد نكاح بعض أولاد الأمراء، فدخل هو والقضاة الثلاث [ة]، وقد بسط البيت بالحرير المزركش. فتجنّب القضاة الجلوس على ذلك، إلّا هو، فإنّه جلس عليه وقال: يا جماعة الجند! انظروا فعل هؤلاء: يتركو [ن] الجلوس على هذا الحرير! وأقسم بالله العظيم لو قدروا عليه لباعوه وأكلوا ثمنه!

فضحك الحاضرون، واشتدّ ذلك على القضاة.

وكان يعاقب في مجلس حكمه بالضرب، وله أخبار قبيحة جدّا.

فلمّا تهيّأت المحاضر عليه قصدوا إراقة دمه، فقام الأمير طشتمر حمّص أخضر نائب السلطنة في حقّه، حتى حكم الشيخ تقيّ الدين السبكي بسفره من أرض مصر، فأخرج في [ ... ] سنة اثنتين وأربعين وسبعمائة. واستقرّ عوضه في قضاء القضاة الحنفيّة زين الدين عمر بن عبد الرحمن البسطاميّ.

١٢١٦ - الحسن ابن الجرّاح الكاتب [٢٠٩ - ٢٦٩] (٥)

[٥١٨ أ] الحسن بن مخلد بن الجرّاح، أبو محمد، الكاتب، الوزير، البغداديّ.

[تنقّله في الوزارة ببغداد]

أصله من دير قنّى. ولد في سنة تسع ومائتين.

وخدم في دور الخلفاء بالكتابة وتنقّل في الرتب [ ... ] والنفقات. [و] تقلّد ديوان الضّياع بعد


(١) منجّم صداقها، أيّ أنّ الزوج يدفع إليها صداقها منجّما في أقساط معلومة.
(٢) المدمّغ والمدموغ: مخلوط العقل أيضا.
(٣) القصّة في السلوك ٢/ ٦١١ أكثر وضوحا. والقسب تمر يابس، والتقصير للثوب والصوف تنظيفه وتبييضه، والسياطة لم نعرفها.
(٤) لبّك الأمر: خلطه، وفي السلوك أمثلة أخرى من سوء تصرّف هذا القاضي في أحكامه.
(٥) الأعلام ٢/ ٢٣٧، الوافي ١٢/ ٢٦٧ (٢٣٩)، الفخري ٢٥١، النجوم ٣/ ٣٧، ٤٥، دائرة المعارف الإسلاميّة ٣/ ٨٨٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>