للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

على فواته. فأمر المستعين في الوقت لأحمد بألف دينار بعث بها مع خادم إليه سرّا، وأمره أن يومئ إليه إذا دخل مع الأتراك للسلام ليعرّف به. ففعل الخادم ذلك. وأشار إليه المستعين بالسلام، وصار ذلك رسمه كلّما دخل. ولم تزل صلات المستعين تأتيه حتّى حسنت حاله، وأنفذ إليه بجارية اسمها ميّاس فولدت له ابنه خمارويه.

[[وفاء ابن طولون]]

فلمّا خلع المستعين بالمعتزّ بالله وأخرج إلى واسط، ندب الأتراك أحمد بن طولون معه وسلّموه إليه. فسار وأقام معه وبالغ مجاملة المستعين وأطلق له الصيد والتنزّه.

ثمّ إنّ قبيحة أمّ المعتزّ كتبت إلى أحمد بقتل المستعين وأنّها تقلّده واسط [ا]. فكتب إليها:

والله لا يراني الله عزّ وجلّ أقتل خليفة له في رقبتي بيعة وأيمان مغلّظة.- فعظم عند ورود كتابه في قلوب الأتراك، وبعثوا بسعيد الحاجب وكتبوا معه أن يتسلّم المستعين من أحمد بن طولون. فأسلمه أحمد إليه بحضرة قاضي واسط. وخرج به سعيد إلى خيمة بالصحراء وقتله ومضى. فأتى أحمد وغسّله وصلّى عليه ودفنه. وسار إلى سرّ من رأى، وقد تقلّد بايكباك (١) مصر وأراد من يخلفه عليها، فقيل له: إن أحمد بن طولون الثقة الأمين، الخيّر الدّين. فقلّده خلافته على مصر وضمّ إليه الجيش وبعثه. فدخل مصر يوم الخميس لسبع بقين من رمضان سنة أربع وخمسين ومائتين، مقلّدا للقصبة دون غيرها من الأعمال الخارجة عنها كالإسكندريّة ونحوها، وعمره أربع وثلاثون سنة ويوم واحد. فلمّا جلس الناس لمشاهدة دخوله،

وفيهم الأعمى غلام أبي قبيل صاحب الملاحم، سأله رجل عمّا يجده في كتبهم عن أحمد بن طولون فقال: هذا رجل نجد صفته كذا وكذا، وأنّه يتقلّد البلد هو وولده قريبا من أربعين سنة. فما تمّ كلامه حتى أقبل أحمد بن طولون بالصفة التي وصفه بها الأعمى، لم يغادر منها شيئا.

[[بسط نفوذه على مصر]]

وكان يومئذ على خراج مصر أحمد بن محمد بن المدبّر. فأهدى إلى ابن طولون هدايا قيمتها عشرة آلاف دينار. فردّها عليه فتخوّفه ابن المدبّر وقال: هذه همّة عظيمة! من كانت هذه همّته لا يؤمن على طرف من الأطراف- وتحدّث مع شقير الخادم مولى قبيحة أمّ المعتزّ، صاحب البريد بمصر، في مكاتبة الحضرة بإزالة ابن طولون. فورد عليه كتاب ابن طولون وفيه: قد كنت أعزّك الله، أهديت لنا هدية وقع الغناء عنها، ولم يجز أن نغتنم مالك، كثّره الله! رددناها توفيرا عليك. ونحبّ أن تجعل العوض منها الغلمان الذين رأيتهم بين يديك، فأنا إليهم أحوج منك.

وكان لابن المدبّر مائة غلام من الغور (٢) لهم خلق حسن وبأس شديد يقفون بين يديه بالأقبية والمناطق، وفي أيديهم مقارع غلاظ مقمّعة (٣) في أطرافها بالفضّة، يكونون عن جانبي مجلسه إذا جلس، وركبانا قدّامه إذا ركب.

فلمّا ورد الكتاب على [ابن] المدبّر بطلبهم قال: هذه أخرى أعظم ممّا تقدّم قد ظهرت من هذا الرجل إذ كان يردّ الأعراض والأموال، ويستهديالرجال [٨٧ ب] ويثابر عليهم.

ولم يجد بدّا من إرسالهم، فتحوّلت هيبة ابن


(١) في النجوم ٣/ ٦: باكباك، وأنابه على الشام. وآخر من ولي مصر قبل ابن طولون هو أرخوز بن أولوغ طرخان (النجوم ٢/ ٣٤٢ - الكندي ٢١٢).
(٢) الغور: بين هراة وغزنة (سيرة ابن طولون، ٤٤ هامش ١).
(٣) المقرعة: كلّ ما قرعت به من سوط ونحوه، ومقمعة:
مختومة بقمع.

<<  <  ج: ص:  >  >>