[تغيّر الناصر عليه]:
فلمّا أراد الله انقضاء أيّامه غيّر قلب السلطان عليه حتى قتله. وسبب ذلك أنّ حسن بن دامرداش كان قد أهمّه أمر تنكز وخافه. فيقال إنّه بلغ السلطان عنه أنّه قصد الحضور إليه إلى بلاد الروم، وأنّه يخامر عليه. واتّفق مع ذلك أنّه وقع حريق بدمشق في ليلة السادس والعشرين من شوّال سنة أربعين [وسبعمائة]، استمرّ يومين بلياليهما حتّى طغى، ثمّ وقع حريق ثان في ليلة سلخه أشدّ من الأوّل مكث يومين وليلتين تلف فيه من الحوانيت والأمتعة شيء عظيم جدّا.
فعثر على أنّه من فعل طائفة من النصارى. فقبض عليهم تنكز وأحاط بأموالهم، فأفتى الفقهاء بقتلهم فسمّرهم ووسّطهم. وكتب يعلم السلطانبذلك ويستأذنه أن يصرف أموالهم في عمارة ما خرّب من أوقاف الجامع الأمويّ. فشقّ قتلهم على السلطان وعتبه في مكاتبته على قتلهم، وأنّه قد جرّ على من بالقسطنطينيّة وغيرها تحت يد الفرنج من المسلمين بقتل هؤلاء بلاء عظيما، ويأمره بحمل مالهم إلى الخزانة السلطانيّة (١)، ويعلمه أنّ الأمير بشتاك والأمير يلبغا اليحيويّ وعشرين أميرا من الخاصّكيّة يحضرون ببنتي السلطان حتى يعمل مهمّ دخول ولديه عليهما.
وكان قد شرع في عمارة ما خرب في الحريق من أوقاف الجامع، وإنفاق مال النصارى عليه.
فلمّا قرأ كتاب السلطان استوحش منه، فإنّه
[منذ] ولي الشام لم ينكر عليه شيئا فعله. وأخذ يعمل فكره في ذلك حتى قوي عنده أنّ السلطان قد ملّه وتغيّر عليه. وكتب يعتذر عن قتل النصارى ويتلطّف في الاعتذار، ويسأل المهلة في عمل المهمّ، وأنّه قد أنفق المال في عمارة ما احترق.
وبعث به قرمجي الحاجب ووصّاه أن يكشف له عن حاله. فوجد قرمجي السلطان وقد تغيّر عمّا يعهده في حقّ تنكز. فاستحال مع السلطان ووشى بتنكز وعرّفه أنه قد خاف وبعثه لكشف أحواله.
فرتّبه السلطان جاسوسا له على تنكز وعينا يحصي عليه جميع ما يتحرّك فيه، ووعده أن يعمله حاجبا بمصر.
فعاد قرمجي إلى تنكز وملأ قلبه خوفا، فأخذ في تدبير أمره. وأخذ السلطان في العمل عليه أيضا، وبعث طاجار الدوادار في صورة أنّه يعتب تنكز على تأخير عمل المهمّ، وحمّله ملطّفات لقرمجي وغيره بمطالعة السلطان بما عزم عليه تنكز. وكان تنكز قد عوّل على حمل ماله إلى قلعة جعبر وأنّه يخرج كأنّه يتصيّد حتّى يصل إليها. فعبّأ ماله وسلاحه وبعث إلى جعبر وأمر العسكر بالتهيّؤ للصيد.
[تجسّس السلطان عليه]:
هذا وقد اشتهر بدمشق تغيّر السلطان عليه، وهو يفضي بأسراره لقرمجي ثقة به ولا يعلم أنّه قد صار عينا عليه للسلطان. [٣٣٧ أ] فلمّا قدم طاجار إلى ظاهر دمشق، بعث تنكز من يتلقّاه ويمنعه من إيصال ملطف لأحد، فصار معه إلى أن دخل عليه وبلّغه ما جاء به. وجرت بينهما مفاوضة حفظ عليه فيها طاجار سقطة:
وهي أنّه لمّا قال له طاجار: السلطان حلف لك، قال تنكز: ولمن حلف وصدق حتى يصدق
(١) خبر الحريق وعقاب الرهبان في السلوك ٢/ ٤٩٦. ونقل عدنان درويش رواية عنه مطوّلة من كتاب مخطوط لابن قاضي شهبة (التاريخ ٢/ ١١٥).