للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وقال المنصور لمعن: يا أبا الوليد، لقد كبرت سنّك!

فقال: في طاعتك.

قال: وإنّ فيك لبقيّة.

قال: هي لك.

قال: وإنّك لتتجلّد.

قال: على أعدائك.

قال: إنّي أعدّك لأمر جسيم.

فقال: يا أمير المؤمنين، إنّ الله قد أعدّ لك منّي قلبا معقودا بنصيحتك، ويدا مبسوطة بطاعتك، وسيفا مشحوذا على أعدائك.

وكان معن مع ابن هبيرة فاستأمن هو وطارق بن قدامة. فلمّا قتل ابن هبيرة كان معن بالكوفة قد وجّه ببشارة فتح واسط وصلح ابن هبيرة فأقدم في أهله فنجا، وقتل طارق. ثم ظهر من مناصحة معن ما قدّم به على جميع القوّاد، فولّاه المنصور مصر، ثم ولّاه اليمن، ثمّ ولّاه سجستان، وبها هلك.

[أوّل من اتّخذ الخيش المنصور]

وأصاب عيسى بن علي في بعض الليالي حرّ شديد، فبلّ له إزار ونام فيه. فلمّا أصبح قال له المنصور: يا عمّ، كيف كنت في ليلتك من هذا الحرّ؟

فقال: بللت إزارا ونمت فيه فكنت بخير ونمت أطيب نوم.

فقال: وأنا والله أمرت فبلّ لي ثوب فنمت فيه.

ثمّ لم أزل أروّح.

ثم إنّ المنصور فكّر، فأمر بكرابيس (١) غلاظ [١٠٤ أ] ثخان فبلّت وجعلت على ثلاثة أعواد ونام تحتها. ثمّ أخبر عيسى بن عليّ بما صنع فاتّخذ

عيسى مثل ذلك. ثمّ قال عيسى: يا أمير المؤمنين، لو اتّخذت قبّة ثم غشيت بمثل هذه الكرابيس المبلولة، وجعلت طاقات، كان ذلك أنفى للحرّ وأوسع في المبيت والمقيل؟

فقال المنصور: أو غير ذلك يا عمّ؟ نعمد إلى هذا الخيش الذي يأتي فيه القند والأمتعة من مصر فيغسل وينظّف ثمّ يبلّ وتغشى به القبّة مخيطا عليها، فإنّه أحبس لرطوبة الماء وأبطأ جفوفا.

فأمر المنصور بذلك وتتبّع الخيش فاشتري من التجّار، وأمر فكتب إلى مصر في اتّخاذ شقاق الخيش ووجّه في ذلك رسولا حمله. فكان المنصور أوّل من اتّخذ الخيش، واقتدى به الناس في استعماله.

وكان المنصور لا يستصبح إلّا بالزيت في القناديل، وربّما خرج إلى المسجد ومعه من يحمل سراجا بين يديه. ثمّ إنّه حمل بين يديه من الشّمع ما فيه الرطل والمنّا [ن]. وكان إذا أراد قراءة الكتب أو كتاب [ت] ها أحضر شمعة في نور (١*) ثم ترفع إذا فرغ.

وكان أبو أيّوب سليمان الموريانيّ مولى بني سليم قد اتّصل بالمنصور قبل الخلافة وكتب له.

فغلب على الأمر في خلافته، ثمّ تنكّر له المنصور فنكبه ونكب أخاه خالدا، وكان على الأهواز، ونكب آل أبي أيّوب وأسبابه. فمات أبو أيّوب في سجنه.

وخرج المنصور إلى الشام واستخلف ابنه المهديّ على مدينة السلام، وتقدّم إليه باستيداء (٢*) آل أبي أيّوب، ثم كتب إليه بقطع أيديهم وأرجلهم وقتلهم ففعل ذلك، وأخذت أموالهم وكانت مائة


(١) الكرباس: الثوب الخشن المتلبّد. أو القماش القطنيّ الخفيف.
(١*) النّور: الإناء الصغير.
(٢*) الاستيداء: (أدي) أخذ المال كرها واسترجاعا عند العزل والعقوبة.

<<  <  ج: ص:  >  >>