للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

الحجّ، وكتب مقدّمة لطيفة في النحو. وأسندت إليه رئاسة الفتوى والتدريس بمدينة قوص، وتخرّج به خلائق.

وقيل للشيخ عزّ الدين بن عبد السلام: ما أظنّ في الصعيد مثل الجلال الدشنائيّ، وتقيّ الدين ابن دقيق العيد.

فقال: ولا في المدينتين.

وكان حسن الخلق مرتاض النفس، إماما، جمع بين العلم والعمل والفضل، مع النسك والزهادة والورع، حتّى قيل إنّه كان من الأبدال، وحكيت عنه مكاشفات.

[وصيّته لابنه تاج الدين ابن الجلال]:

وكتب لابنه تاج الدين أبي الفتح محمد وصيّة، وهي: رَبَّنا آتِنا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنا مِنْ أَمْرِنا رَشَداً [الكهف: ١٠]، يا بنيّ، أرشدك الله وأيّدك! أوصيك بوصايا إن أنت حفظتها وحافظت عليها رجوت لك السعادة في دينك ومعاشك، بفضل الله ورحمته إن شاء الله تعالى، ولا قوّة إلّا بالله.

فأوّلها وأولاها: مراعاة تقوى الله العظيم بحفظ جوارحك كلّها عن معاصي الله عزّ وجلّ، حياء من الله، والقيام بأوامر الله، عبوديّة لله.

وثانيها: ألّا تستقرّ على جهل ما تحتاج إلى علمه.

وثالثها: أن لا تعاشر إلّا من تحتاج إليه في مصلحة دينك ومعاشك.

ورابعها: أن تنصف من نفسك ولا تنتصف لها إلّا لضرورة.

وخامسها: أن لا تعادي مسلما ولا ذمّيّا.

وسادسها: أن تقنع من الله بما رزقك من جاه ومال.

وسابعها: أن تحسن التدبير فيما في يدك، استغناء به عن الخلق.

وثامنها: أن لا تستهين بمنن الناس عليك.

وتاسعها: أن تقمع نفسك عن الخوض في الفضول، بترك استعلام ما لم تعلم، والإعراض عمّا قد علمت.

وعاشرها: أن تلقى الناس مبتدئا بالسلام، محسنا في الكلام، منطلق الوجه، متواضعا باعتدال، مساعدا بما تجد إليه السبيل، متّجها [١٠٦ أ] إلى أهل الخير، مداريا لأهل الشرّ، متّبعا في ذلك السنّة.

[[علاقته بالبهاء القفطي وابن دقيق العيد]]

وكان يزور الشيخ بهاء الدين القفطيّ بإسنا، وهي مسيرة يومين عن قوص. فكان البهاء يقول له: إذا جئت إليّ انو إدخال السرور على قلب مسلم، فإنّي أسرّ برؤيتك.

واتّفق أنّه كان بقوص عبد انتقل ملكه إلى بيت المال، وكان عبدا صالحا. فقصد أن يبتاع ولا يكون عليه ولاء. فقال له الشيخ جلال الدين:

اشتر نفسك!

ففعل ذلك. فردّ شرف الدين إبراهيم بن عتيق قاضي قوص البيع. فبعث إليه جلال الدين يسأله عن ردّه البيع: لماذا؟

فقال: ليس لوكيل بيت المال أن يعتق أرقّاه بيت المال.

فلمّا ذكر ذلك لجلال الدين سكت ساعة، ثمّ حمّ، ومات بمدينة قوص في سنة سبع وسبعين وستّمائة.

واتّفق أنّه سافر إلى الحجاز، فمرض شيخه مجد الدين القشيريّ المعروف بابن دقيق العيد.

فدخل عليه تاج الدين محمد أبو الفتح، ابن

<<  <  ج: ص:  >  >>