للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

فهاتان حالانا فهل أنت راجعي ... فقد جبّ منّا غارب وسنام

فقال عمر رضي الله عنه: أمّا، ولي من الأمر شيء، فلا!

وأقطعه مالا بالبصرة ودارا فاستوطنها.

[وقصّة نصر بن حجّاج مع شميلة]

وكما قالوا بالمدينة: أصبّ من المتمنّية، قالوا بالبصرة: أدنف من المتمنّى. وذلك أنّ نصرا لمّا ورد البصرة أخذ الناس يسألون عنه ويقولون: «أينالمتمنّى الذي سيّره عمر؟ » فغلب عليه هذا الاسم بالبصرة كما غلب ذلك الاسم [٣٣٩ أ] على عاشقته بالمدينة. وذلك أنّه لمّا نزل البصرة أنزله مجاشع بن مسعود منزله من أجل قرابته، وأخدمه امرأته شميلة، وكانت أجمل امرأة بالبصرة فعلقته وعلقها، وخفي على كلّ واحد منهما خبر الآخر لملازمة مجاشع ضيفه. وكان مجاشع أمّيّا، ونصر وشميلة كاتبين. فعيل صبر نصر فكتب على الأرض بحضرة مجاشع: إنّي قد أحببتك حبّا لو كان فوقك لأظلّك أو تحتك [لأقلّك]. فوقّعت تحته غير محتشمة:

«وأنا»، فقال مجاشع لها: ما الذي كتب؟

قالت: كتب: ما الذي تحلب ناقتكم؟

فقال: وما الذي كتبت تحته؟

فقالت: كتبت: وأنا.

فقال مجاشع: كم تحلب ناقتكم، وأنا: ما هذا لهذا بطبق!

فقالت: أصدقك، إنّه كتب: كم تغلّ أرضكم؟

فقال مجاشع: كم تغلّ أرضكم، وأنا، ما بين كلامه وجوابك قرابة!

ثمّ كبّ على الكتابة جفنة، ودعا بغلام من الكتّاب فقرأ عليه فالتفت، فقال: يا ابن عمّ، ما سيّرك عمر من خير. قم، فإنّ وراءك أوسع لك.

فنهض مستحييا، وعدل إلى منزل بعض السلميّين فوقع لجنبه فضني من حبّ شميلة ودنف حتّى صار رحمة، وانتشر خبره، فضرب نساء البصرة به المثل، فقلن: أدنف من المتمنّي.

ثمّ إنّ مجاشعا وقف على خبر علّة نصر، فدخل عليه عائدا، فلحقته رقّة لما رأى به من الدنف، فرجع إلى بيته وقال لشميلة: عزمت عليك لما أخذت خبزة فلكتها بسمن ثم بادرت بها إلى نصر.

فبدرت بها إليه، فلم يكن به نهوض، فضمّته إلى صدرها وجعلت تلعقه بيدها. فعادت قواه وبرئ كأن لم تكن علّة (١). فقال بعض عوّاده:

قاتل الله الأعشى! لكأنّه شهد منهما النجوى حيث يقول [السريع]:

لو أسندت ميتا إلى نحرها ... قام ولم ينقل إلى قابر

فلمّا فارقته عاوده النكس، ولم يزل يتردّد في علّته حتى مات منها.

ومرّ فتى من أهل الكوفة بالحجّاج وهو يعرض الناس، فأعجبه فقال: ممّن أنت يا فتى؟

قال: من قوم لم يكن فيهم جبان.

قال الحجّاج: أنت إذن من يام.

قال: أنا منهم- ويام هذا هو يام بن أضبى بن رافع بن مالك بن جشم بن حاشد بن جشم بن خيران بن عوف بن همدان. وكانت يام تدعى في الجاهليّة قتلة جبانها. وكان فيهم جبان في الجاهليّة يقال له قنيب: فحلفوا ألّا يولد له ولد فيهم أبدا. وحلفوا على قتله. فقال لهم رجل منهم: ويحكم! اخصوه ولا تقتلوه! فإنّه لا يولد له إذا كان خصيّا، ولا تحنثون في أيمانكم.

فشاع ذلك في همدان، فكرهت أن تذهب يام


(١) في المخطوط: فلتة.

<<  <  ج: ص:  >  >>