للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

الولاية. فقال له السلطان؛ يا سيّدي، هذا ولدك منكوتمر- وأشار إليه- يكون خاطرك معه. ادع له! - فنظر إلى منكوتمر ساعة، وصار يفتح يديه ويقبضهما، ثمّ قال: منكوتمر ما يجيء منه شيء! يكرّرها مرّات. وقام.

فأخذ السلطان الخرقة وفرّقها على الأمراء تبرّكا بها.

[معارضته للسلطان في أخذ المال من الرعيّة]

ولمّا رجعت العساكر إلى القلعة منهزمة من غازان ملك التتر في ربيع الآخر سنة تسع وتسعين وستّمائة، وأخذوا في الاستعداد لمحاربته ثانيا، استدعى الأميران بيبرس الجاشنكير وسلّار نائب السلطنة، وإليهما يومئذ جميع الدولة، بالقاضي مجد الدين عيسى ابن الخشّاب وكيل السلطان ليأخذ فتوى الفقهاء بجواز أخذ السلطان من الرعيّة مالا لينفقه على قتال غازان. فتقرّب إليهما بأن أحضر فتوى الشيخ عزّ الدين بن [١٧٠ أ] عبد السلام للملك المظفّر قطز بأن يؤخذ من كلّ إنسان دينار عند ما تحرّك لمحاربة هولاكو.

فبعث الأمير سلّار بالفتوى إلى ابن دقيق العيد ليكتب عليها، فامتنع. فشقّ امتناعه على سلّار فاستدعاه، وقد جمع الأمراء، وشكا إليه قلّة المال، وأنّ الضرورة قد دعت إلى أخذ مال الرعيّة لدفع العدوّ، ولا بدّ من كتابة القاضي بجواز ذلك.

فقال له: لا أكتب شيئا.

فاحتجّ ابن الخشّاب عليه بفتوى ابن عبد السلام، فقال: إنّ ابن عبد السلام لم يكتب لقطز حتّى أحضر سائر الأمراء جميع ما ملّكهم من الذهب والفضّة وحلي النساء والأولاد إلى بين يديه، ورآه، وحلّف كلّا منهم أنّه لا يملك سوى ما أحضره. فلمّا علم أنّ ذلك غير كاف، ولا يقوم بتجهيز العساكر، أفتى حينئذ بجواز أخذ دينار من كلّ واحد. أمّا الآن، فبلغني أنّ كلّ واحد من الأمراء له مال جزيل، وأنّ فيهم من يجهّز ابنته ليزفّها إلى زوجها، وأنّه عمل في شورتها الجوهر واللآلي والحلي الذهب، واتّخذ لها الأواني من الفضّة، حتى إنّه عمل البكلة (١) التي توضع في الخلاء ليستنجي منها، فضّة، وأنّه رصّع مداس امرأته بالجواهر- يريد بذلك الأمير بيبرس- فكيف يحلّ مع ذلك أخذ شيء من أموال الرعيّة؟ لا والله، لا جاز لأحد أن يتعرّض لدرهم من أموال الناس، إلّا بوجه شرعيّ!

ثم قام وتركهم.

[[معارضته لاضطهاد المعاهدين]]

ولمّا كانت واقعة اليهود والنصارى في شهر رجب سنة سبعمائة، وألزموا بترك زيّ المسلمين، وأن لا يركبوا الخيل ولا البغال، وأن تكون عمائم النصارى زرقا وعمائم اليهود صفرا، أفتى الفقيه نجم الدين أحمد ابن الرفعة بوجوب هدم كنائسهم من أجل أنّها أحدثت في الإسلام. فجمع القضاة والفقهاء لذلك، فلم يوافقه ابن دقيق العيد على هدمها وقال: أحتاج إلى بيّنة تشهد أنّها أحدثت في الإسلام، فإن قامت البيّنة بهذا، أفتيت وحكمت بهدمها.

ومتى لم تقم بيّنة عادلة بذلك، لا يجوز هدمها.

فوافقه الجماعة على ذلك، وامتنع من هدم الكنائس بعد ما هدموا منها بأعمال مصر عدّة.

[ ... ] (٢) وكان قد عزل نفسه، فاستدعاه السلطان الملك المنصور لاجين وخلع عليه وأعاده، وتقدّم إلى الأمير منكوتمر نائب السلطنة بتقوية أوامره.


(١) البكلة: إناء (دوزي).
(٢) هذه أضافة مقحمة في ورقة طيّارة بين اللوحتين ١٦٤ ب و ١٦٥ ب، فأسندنا إليها اعتباطا رقم ١٦٥ أ.

<<  <  ج: ص:  >  >>