للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

لي أنّه يريد أن يضربني به. فنظرت إليه وقلت له:

يا شقير أعط السلاح لبكتوت يحمله، وتوجّه أنت مكانه!

قال بكتوت: فقلت للسلطان: أعيذ مولانا بالله أن يخطر بباله! ولاجين أقلّ من هذا وأضعف نفسا أن يخطر هذا بباله، فضلا أن يقدم عليه، وهو مملوك مولانا السلطان ومملوك الشهيد وتربية بيته الشريف.

فقال: ما عرّفتك إلّا ما خطر لي.

ثمّ إنّي اجتمعت بلاجين في خلوة، وقلت له:

بالله، تجنّب السلطان ولا تكثر من حمل السلاح! - وأخبرته بما قال: فضحك وقال: والله لمّا نظر إليّ وقال لي: «يا شقير»، كنت قد عزمت على تجريد سيفه وقتله به.

فعدّ هذا من أعجب العجب [٤٤١ أ]، وصدق حدس السلطان وتولّى لاجين قتله.

[تحدّيه لابن هولاكو]

ومن شجاعته أنّ كيختوا بن هولاكو ملك التتار بعث في سنة اثنتين وتسعين وستّمائة رسله بكتابه، وقالوا له مشافهة: القان يقصد دخول حلب والإقامة بها، فإنّها ممّا فتحه أبوه هولاكو بسيفه، وهي في ملكه. وإن لم يسمح بها، عبر إلى الشام.

فأجابهم في الحال من غير توقّف، وهو يبتسم وقال: الحمد لله قد وافق أخي القان ما كان في نفسي وتحدّثت به مع أمراء دولتي: أنّي أسير أطلب من أخي بغداد، فإن لم يسمح بها ركبت وأخذتها بعسكري وخربت بلاده وقتلت رجاله وفتحتها قهرا وأقمت بها نائبا عنّي، فإنّ بغداد هي دار الإسلام، وأرجو أن أعيدها للإسلام كما كانت. ولكن عرّفوه: سننظر من يسبق إلى بلاد صاحبه ويدخل إليها!

وأخرجهم إلى حيث أنزلهم، وكتب في الحال إلى نوّاب الشام بتجهيز الإقامات وأخذ العساكر الأهبة لعبور الفرات وغزو بغداد. وتقدّم إلى أمراء مصر وعساكرها بلبس آلة الحرب والحضور إلى الميدان. وأنزل بالرسل لمشاهدة العسكر، فخرج معظم أهل القاهرة ومصر ليروا عرضالعساكر وكان يوما مشهودا، ركب فيه السلطان بعد أذان الظهر وعليه قرقل (١) وفوق رأسه كوفيّة وبيده شطفة. ودخل الميدان، وبعده الأمراء واحدا بعد واحد وعليهم أفخر آلات الحرب، وكلّ منهم يحمل شطفة فيها رنكه. فكرّوا وفرّوا وأظهروا أعمالهم الحربيّة، إلى أن أذّن العصر، فدهش الرسل لما رأوا.

وكان هذا ثالث عرض عرضه في مدّة سلطنته، فلمّا انقضى أمرهم نزل وخلع وأنعم، واستدعى الرسل وقال لهم: أعلموا أخي كيختوا أنّ من يكون معه مثل هذا العسكر [لا] يتوقّف في دخول بلادك أو بلاد غيرك. والله، وتربة أبي، لأدخلنّ إليه وأخرّب بيوت جميع المغل وأجعلها بلاد إسلام إلى يوم القيامة، إلّا أن يدركني أجلي!

ثمّ خلع عليهم وردّهم، وكتب يستحثّ النوّاب فعاجلته منيّته قبل بلوغ أمله عقيب ذلك.

[تأهّب مماليكه للثأر من قاتليه]

وكان عزاؤه من الأمور المذكورة: فإنّ زوجته الخاتون أردكين (٢) بنت نوكاي استأذنت في عمل العزاء، فمرّت في القاهرة ومعها مائة جارية وثلاثون خادما وعدّة بابيّات (٣)، ومماليك صغار،


(١) القرقل: صفيحة الحديد المغشّاة بالديباج.
(٢) الخاتون أردكين: لها ترجمة في الدرر الكامنة ١/ ٣٤٧ (٨٦١).
(٣) البابيّة: الحاضنة.

<<  <  ج: ص:  >  >>