للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وأولاده وجميع أمراء طيّئ مشاة في ركابه وبين يديه، حتى دخل المسجد وصعد المنبر وخطب فحمد الله وأثنى عليه وقرأ: بسم الله الرحمن الرحيم طسم* تلك آيات الكتاب المبين* نتلوا عليك من نبإ موسى وفرعون بالحق ... إلى قوله: يَحْذَرُونَ (القصص، ١ - ٦). ثمّ أتمّ الخطبة وصلّى بالناس وعاد إلى دار الإمارة.

فبلغ ذلك الحاكم، فلم يزل ببني الجرّاح يستميلهم حتّى تقرّر الحال أن يدفع إلى كلّ من حسّان وإخوته خمسين ألف دينار، سوى الهدايا والخطايا (١). فمالوا إليه حتّى انحلّ أمر أبي الفتوح ورجع إلى مكّة كما قد ذكر في ترجمته. فكتب أبو القاسم ابن المغربيّ إلى الحاكم كتابا يعتذر فيه ويسأل العفو عن جريرته، وصدّر الكتاب بقوله [الطويل]:

وأنت، وحسبي أنت، تعلم أنّ لي ... لسانا، إمام المجد، يبني ويهدم

وليس حليما من تباس يمينه ... فيرضى، ولكن من تعضّ فيحلم

[[حصوله على أمان من الحاكم]]

فصيّر إليه الحاكم أمانا بخطّه، نسخته: باسم الله الرحمن الرحيم، هذا الكتاب كتبه المنصور أبو علي، الإمام الحاكم بأمر الله، أمير المؤمنين، لحسين بن علي بن حسين المغربيّ: إنّك آمن بأمان الله، ورسوله جدّنا محمد المصطفى، وأبينا [٣٩٢ أ] عليّ المرتضى، والأئمّة من آلهما، مصابيح الهدى، صلّى الله عليهم وسلّم، وأمان أبينا الأقرب نزار أبي المنصور العزيز بالله أمير

المؤمنين، قدّس الله روحه وصلّى عليه، على النفس والجسم وجميع الجوارح والحواسّ، والمال والخال (٢) والأهل والأقارب والأسباب، أمانا ماضيا لا يتعقّب بتأويل ولا يتبع بفسخ ولا تبديل. وإنّ الإمام الحاكم بأمر الله أمير المؤمنين أمّن حسين بن علي بهذا الأمان بعد أن تحقّق له ذنوبا وأجراما عظيمة، فصفح عن علم، وتجاوز عن معرفة وحلم، وجعل هذا الأمان كالإسلام الذي يمحو ما قبله ويمهّد الخير لما بعده. وكلّ سعاية ووشاية وذنب وجريمة تنسب إلى حسين بن عليّ قد تحقّق أمير المؤمنين أكثر منها وصفح عنه، فلا يد له عليه إلّا الإحسان إليه. وإن لحسين بن علي هذا اختياره عند وقوفه على هذا الكتاب، في انكفائه إلى الباب العزيز والتعرّض للخدمة، أو التوفّر على العبادة، لا يكره على خدمة يستعفى منها، ولا تقبل عليه الأقاويل في خدمة يتعلّق بها. وأقسم أمير المؤمنين الحاكم بأمر الله على ذلك، وبأيمان الله وغليظ مواثيقه وبيته الحرام ومشاعره العظام وآياته الكرام، وحقوق جميع آبائه عليهم السلام. فمتى غيّر أو [٤٥٩ ب] بدّل، أو أمر أو أملى، أو أسرّ أو أعلن، أو دسّ أو اغتال، فجميع المسلمين في شرق الأرض وغربها، وفي الموقان (٣)، والريّ وأذربيجان، والدينور وهمذان، والسهل والجبل، والقريب والبعيد، والعراق والشام، وديار ربيعة وديار بكر وديار مضر، وحلب ومصر والحجاز والمغرب، في حلّ وسعة من بيعته وقد فسح الله لهم وفسح لهم أمير المؤمنين في النكث بها وبرّأ


(١) شرحنا هذه الكلمة في ترجمة أبي الفتوح الحسنيّ رقم ١١٧٦، والمقريزي يعيد هنا ما كتبه هناك.
(٢) هكذا في المخطوط بالخاء المعجمة، ولعلّها تعني الخول، أي الخدم والعبيد والإماء، وإن كانت المعاجم لا تقرّ هذا المعنى.
(٣) موقان وموغان: ولاية من أذربيجان بين أردبيل وتبريز (ياقوت).

<<  <  ج: ص:  >  >>