للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

النهج الأمم ولم تجر عن قصد السبيل، نفق في سوقها الإبريز الخالص واللجين المصفّى. وإن ذهبت مع الأغراض والحقود وماجت بسماسرة البغي والباطل، نفق البهرج والزائف. والناقد البصير قسطاس نظره وميزان بحثه وملتمسه (١)، والله الموفّق.

[رجوع إلى المهديّ]

وكانت ولادة المهديّ بسلميّة في ربيع الأوّل سنة ستّين ومائتين. وقيل: ولد ببغداد في سنة تسع وخمسين. وقيل: ولد بالكوفة فيها (٢).

ويقال إنّ الحسين لمّا صرف عهده إليه قال له:

«إنّك ستهاجر بعدي هجرة بعيدة، وتلقى محنا شديدة». وقيل إنّه أخرجه لخاصّة ولده سنة ثمان وستّين ومائتين، وعمره تسعة أعوام، وأظهر لهم العلامات التي فيه، وأعلمهم أنّ عبيد الله هذا ولده، وهو المهديّ وأنّه العاشر من ولد الحسين بن علي والثاني عشر من أبي طالب كما وجد في ملحمة (٣) علي بن أبي طالب. ثمّ دفع إلى ولده عبيد الله المهديّ الملحمة وأعلمه أنّه هو العاشر من ولد الحسين. وأنّ في العاشر من ولد عبيد الله ستقطع دولتهم كما قامت في العاشر من ولد الحسين.

فقام بعد وفاته بالأمر وانتشرت دعوته وظهر أمره ببلاد المغرب على يد أبي عبد الله الحسين بن أحمد الشيعيّ وأطاعته كتامة. فلمّا استقام أمر أبي عبد الله ببلاد المغرب أنفذ رجالا من كتامة يثق بهم إلى عبيد الله المهدي ليخبروه بما فتح الله وأنّهم ينتظرونه. وكان خبر عبيد الله قد شاع عند الدولة

العبّاسيّة فطلب، وذلك في أيّام المكتفي بالله.

فخاف عبيد الله على نفسه فخرج من سلميّة ومعه ابنه أبو القاسم محمد نزار- ويقال: عبد الرحمن- وهو يومئذ غلام حدث حين طرّ شاربه، والمهديّ شابّ عند كماله، وخرج معه خاصّته ومواليه، يريد الهجرة إلى أرض المغرب، وذلك في أيّام زيادة الله بن الأغلب. فقدم مصر في زيّ التجّار (١*).

وذكر الأمير المختار عزّ الملك محمد بن عبيد الله بن أحمد المسبّحي (٢*) في [٢١٩ أ] تاريخه من حوادث سنة إحدى وتسعين ومائتين: فيها قدم الإمام المهديّ ومعه ابنه القائم إلى مصر وأمل أن يقصد اليمن، وكان قد تقدّم بعض دعاته إلى اليمن وفسد أمره، فكره دخولها على هذه الحال فأقام بمصر مستترا في زيّ التجّار. فأتت الكتب من بغداد إلى صاحب مصر بالقبض عليه والأمر بطلبه إلى العامل بها. وكان بعض خاصّة ذلك العامل وليّا مؤمنا فأسرع إلى المهديّ بالخبر، فخرج ومعه ابنه القائم وبعض عبيده، ومعه أموال كثيرة، فاشترى بضائع وجعل الأموال في الأحمال وسار في رفقة في زيّ التجّار.

وأخبرني حسن بن محمد بن أبي علي الداعي أنّ الإمام المهدي صلّى يوما في الجامع العتيق بمصر الصبح تحت اللوح الأخضر، ومعه أبو عليّ


(١) هكذا في المقدّمة، وفي المنقول منها في الاتّعاظ. ٦٦.
ولعلّ الجملة تمّت بالخبر: قسطاس وميزان.
(٢) أي في سنة ٢٥٩.
(٣) الملحمة هنا: كتاب فيه تنبّؤات بما سيحدث لهم.
(١*) في خروج المهديّ من سلميّة إلى المغرب وأحداث الرحلة، انظر رسالتي «استتار الإمام» و «سيرة جعفر الحاجب» اللتين نشرهما إيفانوف، بمجلّة كلّيّة الآداب بمصر مجلد ٤/ ٢ ديسمبر ١٩٣٦. وانظر طبعتنا لكتاب عيون الأخبار، ابتداء من ص ١٤٣.
(٢*) المسبّحي المؤرّخ (ت ٤٢٠/ ١٠٢٩): له ترجمة في الوفيات (رقم ٦٥٣) وينقل ابن خلّكان كثيرا عن «تاريخه الكبير»، المسمّى تارة تاريخ مصر، وتارة «تاريخ المغاربة ومصر». ويظهر أنّ هذا الكتاب مفقود مثل بقيّة مؤلفاته.

<<  <  ج: ص:  >  >>