للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وقال أبو علي ابن أبي حامد: سمعت بحلب يحكون، وأبو الطيّب المتنبّي بها إذ ذاك، أنّه تنبّأ في بادية السماوة ونواحيها، إلى أن خرج إليه لؤلؤ أمير حمص من قبل الإخشيديّة وقاتله وأسره، وشرّد من كان اجتمع إليه من كلب وكلاب وغيرهما، وحبسه في السجن دهرا طويلا، ثمّ استتابه ممّا نقل عنه وأخرجه. (قال) ومن قرآنه قوله من سورة: «والنجم السيّار، والفلك الدوّار، والليل والنهار، إنّ الكافر لفي أخطار. امض على سنّتك، واقف أثر من كان قبلك من المرسلين، فإنّ الله قامع بك زيغ من ألحد في دينه وضلّ عن سبيله»، وهي طويلة.

[[تحامل ابن خالويه عليه]]

وقال له ابن خالويه النحويّ في مجلس سيف الدولة: لولا أنّك جاهل لما رضيت بأن تدعى بالمتنبّي، لأن «متنبّ» معناه: كاذب. ومن رضي أن يدعى بالكاذب فهو جاهل.

فقال: أنا لست أرضى أن أدعى بهذا، وإنّما يدعوني به من يريد الغضّ منّي، ولست أقدر على الامتناع.

وقال أبو علي ابن [أبي] حامد: قال لي أبي، وقد سمع قوما يحكون عن أبي الطيّب المتنبّي هذه السورة، التي قدّمنا ذكرها: لولا جهله، أين قوله:

امض على سنّتك .. إلى آخر كلامه، من قول الله تعالى: فَاصْدَعْ بِما تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ [الحجر: ٩٤] إلى آخر الآية (١). فهل تتقارب الفصاحة فيهما، أو يشتبه الكلامان؟

وقال أبو عبد الله معاذ بن إسماعيل اللاذقيّ:

قدم المتنبّي اللاذقيّة في سنة نيّف وعشرين وثلاثمائة، وهو ما عذّر (٢)، وله وفرة إلى شحمة أذنيه، وضوى (٣) إليّ فأكرمته لما رأيت من فصاحته وحسن سمته. وقلت له يوما: والله إنّك لشابّ خطير، تصلح لمنادمة ملك كبير.

فقال: ويحك! أتدري ما تقول؟ أنا نبيّ مرسل!

قلت: مرسل إلى من؟

قال: إلى هذه الأمّة الضالّة المضلّة.

قلت: تفعل ماذا؟

قال: أملؤها عدلا كما ملئت جورا.

قلت: بماذا؟

قال: بإدرار الأرزاق والثواب العاجل والآجل لمن أطاع وأتى، وضرب الأعناق وقطع الأرزاق لمن عصى وأبى.

فقلت له: إنّ هذا أمر عظيم أخاف منه عليك أن يظهر- وعذلته على قوله ذلك، فقال بديها [الوافر]:

أبا عبد الإله معاذ، إنّي ... خفيّ عنك في الهيجا مقامي

ذكرت جسيم ما طلبي، وإنّا ... نخاطر فيه بالمهج الجسام

أمثلي تأخذ النكبات منه ... ويجزع من ملاقاة الحمام؟

ولو برز الزمان إليّ شخصا ... لخضّب شعر مفرقه حسامي

وما بلغت مشيئتها الليالي ... ولا سارت، وفي يدها زمامي

[٧٦ أ] إذا امتلأت عيون الخيل منّي ... فويل في التيقّظ والمنام


- صدر تحقيقها لرسالة الغفران ص ٢٦. وانظر تعليقها على القصّة ص ٢٥ هامش ٣. والشمشك: النعل.
(١) في الأصل: إلى آخر القصّة، وما هي بقصّة.
(٢) في الأصل، وفي الصبح المنبي: وهو كما عذر. وعذّر الغلام: نبت شعر عذاره.
(٣) ضوى إلى: لجأ.

<<  <  ج: ص:  >  >>