للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

قال: أحضرها!

فجاء بها وفرّغها بين يديه، وقال: يا بغدادي، كيف تراها؟

قال: يا مولاي، هذا مال عظيم.

قال: تطارحك عليّ وقصدك إليّ أعظم منه.

ارفعه مباركا لك فيه.

فأدرك المغنّين من حسده ما أحدّ مزاج حسن الطرّاز، فلم يخرج إلّا محموما، ف [ت]- خلّف أيّاما قليلة، وكان ذلك سبب موته.

وما كان يمرّ له يوم من الأيّام إلّا أفاد فائدة جليلة، فبعث البغداديّ إلى صديقه المصريّ الذي دلّه على الأمير تميم، وقال له: هذه نعمتك وأنت سببها وأنسي (١) فيها. فقد كنت شركتني في مالك مبتدئا بالفضل، فو الله لا مددت يدي إلى حبّة فما فوقها إلّا من تحت نظرك.

فبلغ ذلك الأمير تميما فاستحسنه، وكانا جميعا في خدمته حتى مات تميم.

[عطفه على المحبّين]:

[٣٣١ ب] وكان بمصر رجل موسر من أهل طرابلس يعرف بابن فرح له نعمة عريضة إلّا أنّه قبيح الوجه وحش الصورة. فمرّ يوما بدار ابن الشعيري النخّاس فرأى عنده جارية حلوة أديبة حاذقة للغناء فوقعت بنفسه، فخاطبه على ثمنها فوافقه على خمسمائة دينار. فلمّا علمت أنه أرادها امتنعت أشدّ الامتناع، فلم يصبر عنها لما خامره منها. فسأل أحد أصحابه فاشتراها ومضى بها إلى دار ابن فرح، وكانت في بعض الشوارع المسلوكة، فوجّه طعاما كثيرا وفاكهة وشرابا.

فشمّرت الجارية عن ساعديها وأصلحت من ذلك

ما يجب وعبّت الفاكهة ونضدتها وروّقت الشراب وجلست في انتظار مولاها في روشن (٢) ترى منه كلّ جاء وذاهب. فلمّا نظرت إليه وعرفته أظهرت به سرورا وقدّمت إليه طشتا فتوضّأ وغسلت بيديها وجهه ورجليه وقرّبت له الطعام فأكل وقد كاد أن يطير سرورا لما رأى من انشراحها. ثمّ شربت ثلاثا وسقته وتناولت العود فغنّت له كلّ شيء حسن.

فما زالا في أطيب عيش وأنعم بال حتّى [إذا] كان ثلث الليل أقبل الأمير تميم في ذلك الشارع، وبين يديه مشاعل. فلمّا قرب منها ألقت العود وكسرته وألقت بنفسها إليه. فوقف وارتاع، وقال: ما هذا؟ .

فقالت: «استجرت بالله وبالأمير». ثمّ قصّت حديثها كلّه. فدعا بمولاها، فلمّا نظر إليه عذرها وأمر بحملها [٣٣٢ ب] إلى قصره. فلمّا عاد إليه أحضرها ومولاها وقال له: يا هذا، ليس لك فيها مستمتع وقد كرهتك، فكم ثمنها؟

قال: خمسمائة دينار.

فأمر بإحضار ألف دينار وقال له: هذه خير لك منها إن طبت عنها نفسا.

فأخذ المال وأثنى وشكر وانصرف، فأمر بإيصاله إلى بيته. ونظر إلى غلام له تركيّ أمرد قيمته ألف دينار، فقال لها: «خير لك من مولاك»، وأعتقها وزوّجها منه.

[تسريحه لجارية رغم تعلّقه الشديد بها]:

وذكر محمد بن أبي نصر الحميدي (٣): نا أبو


(١) هكذا في المخطوط، ولم نهتد إلى قراءة شافية.
(٢) الروشن: النافذة على الشارع.
(٣) الحميدي صاحب الجذوة (ت ٣٨٨/ ١٠٩٤)، والقصّة واردة في ترجمة محمد بن عبد الواحد الزبيري (رقم ١٠٤ ص ٦٦ من طبعة ابن تاويت). وكذلك في مختصر ابن عساكر: ٢٣/ ٢٠ (٤٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>