للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

[٤٦٢ أ] وكتبت هذه السطور كما ينفث المصدور، والله حسبي ونعم النصير.

فلم يلتفت إلى قوله، وعزل في جمادى الأولى سنة خمس عشرة وأربعمائة بأبي طاهر المحسّن بن طاهر الشيرازيّ. وكانت وزارته عشرة أشهر وخمسة أيّام.

[خروجه من جديد إلى قرواش ثمّ إلى ابن مروان]

واتّفق أنّه في مدّة وزارته أوحش الأثير أبا المسك عنبر من الوافي أبي مقاتل أرسلان الطويل، فأغراه به حتى قبض عليه وقتله. وجرى في أثناء ذلك أمور دعت مشرّف الدولة أبا عليّ، والأثير أبا المسك عنبر إلى مفارقة بغداد والخروج عنها إلى أوانا كما هو مذكور في أخبار بغداد (١).

فتأكّدت الوحشة بين أبي القاسم ابن المغربيّ وبين الأتراك، فخاف، وكان قد خرج مع مشرّف الدولة. ففارقه وقصد معتمد الدّولة أبا المنيع قرواش فجرى على عادته، وأثار ما جدّد سوء رأي القادر بالله فيه لما حدث بين الزكيّ أبي عليّ بن عمر بن [ ... ] الحسن، وأبي الحسن علي بن أبي طالب، وبين أبي المختار بن عبيد الله والهاشميّين بالكوفة، من الفتنة التي ذهبت فيها النفوس والأموال، [و] ما جمعت فيه الجموع وعقدت به المحاضر المشتملة على ذمّه والوقيعة فيه.

فأوجب ذلك له قصد نصير الدولة أبي نصر بن مروان، والبعد إلى بلاده. فأقام عنده على حكم الضيافة مدّة أكرمه فيها نصير الدولة غاية الإكرام، وأقطعه ضياعا جليلة تقوم به وبمن وصل معه من حاشيته وأتباعه.

ولم يزل عنده إلى أن كوتب من بغداد بالعود إليها. فاستأذن نصير الدولة في ذلك فلم يمكنه مخالفته. وكان له وزير يعرف بأبي الحسن محمد بن القاسم بن صقلاب من أهل الموصل.

فقال له: إنّ هذا رجل عظيم له سياسة وتدبير، وعظم حيلة. وقد بلغك ما فعله من الأمور العظام، وأنّه دوّخ الممالك وقلب الدول. وقد خبر حال هذه البلاد وطال مقامه فيها وعرف غوامض أسرارها. وإنّك لا تأمن من مكره، فاحتل عليه ودبّر لنفسك.

[[دسيسة من ابن صقلاب لقتله]]

فمال إلى قول وزيره، ودسّ على أبي القاسم ابن المغربيّ سمّا في شرابه، وكان مبرزا بأخبيته وفساطيطه بظاهر ميافارقين فلمّا أحسّ بالموت، كتب كتابا إلى كلّ من يصل إليه من الأمراء والرؤساء الذين فيما بين ديار بكر والكوفة، يعرّفهم فيه أنّ حظيّة له توفّيت وأنّ تابوتها يجتاز بهم [٤٦٢ ب] إلى مشهد أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام)، وخاطبهم في المراعاة لمن يصحبه. وقصد بهذا أن لا يتعرّض أحد لتابوته وأن ينطوي خبر موته، خوفا ممّا أثّره في أهل الكوفة من الآثار السيّئة. ثمّ تقدّم بردّه إلى المدينة، فحمل إلى ميافارقين، ومات بها في ثالث عشر شهر رمضان سنة ثماني عشرة وأربعمائة- وقيل غير ذلك، وليس بصحيح- فحملت جثّته من ميّافارقين إلى الكوفة، وبينهما مسيرة نحو شهر، فدفن بتربة كانت له بجوار قبر علي بن أبي طالب (رضي الله عنه).

ويقال إنّه غيّر مولده وأنكر أن يكون ولد بمصر. وقد رئي مولده الذي تقدّم ذكره بخطّ أبيه.

وقال الرئيس أبو الحسين هلال بن المحسّن بن


(١) أوانا: على عشرة فراسخ من بغداد في اتجاه تكريت.
وأخبار بغداد هو تاريخ أحمد بن أبي طاهر طيفور (ت ٢٨٠) الأعلام، ١/ ١٣٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>