وبعد، فهذا الجزء الثاني من كتاب المقفّى للمقريزيّ، يتضمّن بقيّة تراجم حرف الهمزة وتراجم الباء والتاء والثاء. وكان في نيّتنا أن نجمع فيه أيضا تراجم الجيم والحاء والخاء، حتى يخرج مخطوط السليميّة في مجلّدين فقط. ولكن تبيّن لنا أنّ المادة غزيرة جدّا وأن هذا الجزء الثاني سيتضخّم بالتالي بصفة مفرطة. لذلك أرجأنا بقيّة تراجم هذا المخطوط إلى جزء ثالث نقدّمه للطبع عن قريب إن شاء الله.
وفي تقديرنا أن يستغرق مخطوط باريس الجزء الرابع، ومخطوطات ليدن الثلاثة الأجزاء الخامس إلى السابع، ثمّ يكون جزء ثامن للفهارس، فيستوي هذا المعجم الكبير في ثمانية مجلّدات، وهو لعمري حجم غير مستكثر إذا ما قارنّاه مثلا بالأجزاء الثمانية التي أخرج فيها الدكتور إحسان عبّاس وفيات ابن خلّكان، وهي ٨٥٥ ترجمة فحسب، في حين أن المقفّى يتضمّن أكثر من ٣٦٠٠ ترجمة.
ويمتاز هذا الجزء بوفرة التراجم المخصّصة للمماليك. وقد وجدنا صعوبة في ضبط أسمائها وتتبّع حوادثها، نظرا لقلّة اختصاصنا في هذه الفترة من تاريخ مصر والشام. ولكن وجدنا التوضيح والضبط والإصلاح بالرجوع إلى كتاب السلوك وإلى الهوامش الكثيرة التي علّق بها ناشروه على نصّ المقريزيّ، وكذلك في طبعة دار الكتب للنجوم الزاهرة.
ومع ذلك يبقى بعض المترجمين مجهولين تماما: أولائك الذين ترد تراجمهم عاطلة من كلّ إحالة أو تعليق. ذلك أنّهم لم يذكروا في غير المقفّى، ولا حتّى في السلوك.
وكذلك استعصى علينا أحيانا تقويم نصّ منقول، من شعر لم يرد في مصادر أخرى وساقه المقريزيّ ناقصا أو نقله ناسخ السليميّة مشوّها محرّفا، ومن فقرات منقولة عن أرباب الإنشاء والترسّل استعصت عبارتها المزخرفة على فهم الناسخ فلم يضبط الكلمات أو الأسماء فاستعصت علينا أيضا لتعذّر مقابلتها بأصولها.
وقصارى أمل المحقّق لكتاب من هذا النوع، كتاب تراجم متباينة في الأزمان، متفاوتة في القيمة والدسامة، متنوّعة في المظانّ التي نقلت منها، أن يقدّم إلى القرّاء نصّا مقروءا، أي مفهوما في تسلسل أحداثه وارتباط الأسباب فيها بالنتائج، واتضاح الدوافع التي تحرّك الأشخاص، وقد تكون دوافع مسكوتا عنها لأنّ المؤلّف كان ينوي الرجوع إليها بمزيد من التفاصيل أو لأنّها في عصره أشهر من أن تحتاج إلى توضيح.