فقال: محسّن- يعني ابن الوزير.
فقال: بارك الله عليكما، إنّما من محسّن صانكما أمير المؤمنين.
فقال أبو [٤٣٦ أ] زنبور: عنده نكون.
فسلّما إليه.
وكان أبو زنبور لمّا حمل إلى العراق خاف من الوزير علي [بن محمد] بن الفرات، فكتب رقعة إلى المقتدر يذكر خوفه على نفسه وعلى ابن أخيه وسأل العناية بهما، ودفع الرقعة إلى خادم وبذل له مالا كثيرا. فلمّا مثل بين يديه وسلّمه إلى محسّن أقام هو وابن أخيه عنده ثلاثا، ثمّ طلبهما وقال لأبي زنبور: أريد منك أنت ألف ألف دينار، وأريد من ابن أخيك ألف ألف دينار- وكان محسّن قد أكثر من [٣٧٩ ب] القتل في الناس حتّى قال لأبيه:
يا أبتي ما بقّيت لك ببغداد عدوّا.
فقال له: يا بنيّ، ولا صديقا!
فلمّا قال ذلك لأبي زنبور خاف منه خوفا عظيما، وقال له: السمع والطاعة!
فأخذ خطّهما بذلك، ثمّ قال له أبو زنبور:
سيّدنا، أيّده الله، يعلم أنّنا ببغداد، وما نملكه بمصر، وإنّما نجمع هذا المال من عين حاضر وحلي وثياب وعروض وضياع وأملاك، ويحتاج هذا إلى مدّة حتّى يجتمع، وليس لنا من ينوب عنّا. ولكن تختار رجلا تنفذه معنا وتوصيه بنا، ونخرج- وأراد أبو زنبور بذلك كيد محسّن.
فاختار لهما أشرّ من يعرف: رجلا له منزلة وحجّاب ومنعة. فاحتاج أبو زنبور أن اقترض من بغداد جملة وافرة من المال، وأنفذها للرجل حتىيتجمّل بها. وسارا معه في ضنك وشدّة إلى أن بلغا عانة. وإذا برسول قد قدم إليهما على رجليه ومعه كتاب فيه أنّ الوزير علي بن محمد بن الفرات ذبح هو وابنه محسّن في يوم كذا. فسجدا شكرا لله تعالى وكتما الخبر. وبعثا إلى الرجل الموكّل بهما أن: صر إلينا! - ولم يكن لهما عادة بذلك، وهما كانا يمشيان إليه في مضربه، فإذا دخلا عليه لا يلتفت إليهما ولا يفكّر فيهما ويعنت عليهما.
فعند ما أتاه رسولهما أقبل إليهما ووقف بين أيديهما على قدميه فأجلساه وأعلماه الخبر. فبكى وقال:
قد علمت منذ جاءتني الرسالة بالركوب إليكما أنّه قد حدث حادث.
ثمّ خيّره أبو زنبور بين أن يمضي معهما إلى مصر أو يعود فاختار العود، وجدّا في المسير إلى مصر فدخلا آمنين.
[[خلاصه من محاسبة أخرى بمعونة ابن مقلة]]
وأشخص مرّة إلى بغداد ليناظر على مبلغ تسعمائة ألف دينار وكسر، فلمّا قدم بغداد أقام بها. وصار في يوم من الأيّام إلى جعفر بن بسطام ليتحدّث عنده، فرأى خلفه بابا عليه زوج ستائر لم ير مثلهما، وبين يديه ريحان في اجّانتين صينيّ غاية في [٤٣٦ ب] الحسن، فجعل يحدّث ابن بسطام ويطيل النظر في السترين والإجّانتين. فلمّا انصرف بعث إليه ابن بسطام رقعة، فيها: رأيتك يا سيّدي تنظر إلى السترين والإجّانتين. وقد أنفذت إليك بعدلين ستور [ا] من صنفهما وعشرين إجّانة، فتطوّل بقبول ذلك.
فكتب إليه: أحلف ألّا أقبل ذلك ولا شيئا منه- وشكره على فعله.
فكتب إليه ابن بسطام يحلف أنّه إن لم يقبل ذلك وردّه ليضرمنّ النار فيه. فقبل الجميع، وأخرج سترين نصبهما كما رأى وأخذ اجّانتين جعلهما بين يديه. فبينا هو جالس إذ دخل عليه أبو