للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

لجهلة العوامّ وأهل المراء، وما أفتى به آخرا في مسألتي الزيارة والطلاق، وإذاعته لهما حتى تكلّم فيهما من لا دين له ولا خلاق، فسلّط وبال الأعداء على سليطه، وأطلق أيدي الاعتداء في تفريطه، ولقّم نارهم سعفه، وأرى أقساطهم شرفه. فلم يزل إلى أن مات عرضه منهوبا وعرضه موهوبا، وصفاته تتصدّع ورفاته لا تتجمّع. ولعلّ هذا لخير أريد به وأريغ له بحسن منقلبه. وكان تعمّده للخلاف وتقصّده لغير طريق الأسلاف، وتقويته للمسائل الضعاف، وتعويضه عن رءوس السعاف (١) تغيّر مكانته من خاطر السلطان، وتسبّب له التغرّب عن الأوطان، وتنفذ إليه سهام الألسنة الرواشق، ورماح الطعن في يد كلّ ماشق.

فلهذا لم يزل منغّصا عليه طول مدّته، لا تكاد تنفرج عنه جوانب شدّته.

هذا مع ما جمع من الورع، وإلى ما فيه من العلى، وما حازه بحذافير الوجود من الجود:

كانت تأتيه القناطير المقنطرة من الذهب والفضّة، والخيل المسوّمة والأنعام والحرث، فيهبه بأجمعه، ويضعه عند أهل الحاجة في موضعه، لا يأخذ منه شيئا إلّا ليهبه ولا يحفظه إلّا ليذهبه كلّه في سبيل البرّ وطريق أهل التواضع لا أهل الكبر.

لم يمل به حبّ الشهوات ولا حبّب إليه من صلات الدنيا غير الصلاة. ولقد نافست ملوك جانكيز خان عليه، ووجّهت دسائس رسلها إليه، وبعثت تجدّ في طلبه، فنوسيت عليه لأمور أعظمها خوف توثّبه. وما زال على هذا ومثله إلى أن صرعه أجله، وأتاه بشير الجنّة يستعجله، فانتقل إلى الله، والظنّ به أنّه لا يخجله.

(قال) وحكي عن شجاعته في مواقف الحرب

نوبة شقحب، ونوبة كسروان، ما لم يسمع إلّا عن صناديد الرجال، وأبطال اللقاء، وأحلاس الحرب، تارة يباشر القتال وتارة يحرّض عليه.

(قال) وكان يجيئه من المال في كلّ سنة ما لا يكاد يحصى فينفقه جميعه آلافا ومئين، ولا يلمس منه درهما ولا ينفقه في حاجة له. وكان يعود المرضى، ويشيّع الجنائز، ويقوم بحقوق الناس، ويتألّف القلوب، ولا ينسب إلى باحث لديه مذهبا، ولا يحفظ لمتكلّم عنده زلّة، ولا يتشهّى طعاما ولا يمتنع عن شيء منه، بل هو مع ما حضر لا يتجهّم مرآه، ولا يتكدّر صفوه ولا يسأم عفوه، (قال) ورئيت له منامات صالحة.

[[رثاء ابن فضل الله له]]

ورثاه جماعات من الناس بالشام ومصر والعراق والحجاز والعرب من آل فضل.

(قال) ورثيته بقصيدة لي، وهي [البسيط]:

[١٠١ ب] أهكذا بالدياجي يحجب القمر ... ويحبس النوء حتى يذهب المطر؟

أهكذا تمنع الشمس المنيرة عن ... منافع الأرض أحيانا فتستتر؟

أهكذا الدهر ليلا كلّه أبدا ... فليس يعرف في أوقاته سحر؟

أهكذا السيف لا تمضي مضاربه ... والسيف في الفتك ما في عزمه خور؟

أهكذا القوس ترمي بالعراء وما ... تصمي الرمايا وما في باعها قصر (٢)؟

أهكذا يترك البحر الخضم ولا ... يلوى عليه، وفي أصدافه الدّرر؟

أهكذا بتقيّ الدين قد عبثت ... أيدي العدى وتعدّى نحوه الضرر؟


(١) قراءة ظنيّة ولم نفهم المقصود.
(٢) أصمى الرامي الصيد: قتله مكانه.

<<  <  ج: ص:  >  >>