للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

ألابن تيميّة ترمى سهام أذى ... من الأنام ويدمى الناب والظفر؟

بذّ السوابق ممتدّ العبادة لا ... يناله ملل فيها ولا ضجر

ولم يكن مثله بعد الصحابة في ... علم عظيم وزهد ما له خطر

طريقه كان يمشي قبل مشيته ... بها أبو بكر الصدّيق أو عمر

فرد المذاهب في أقوال أربعة ... جاءوا على أثر السّبّاق وابتدروا

لمّا بنوا قبله عليا مذاهبهم ... بنى وعمّر منها مثل ما عمروا

مثل الأئمّة قد أحيا زمانهم ... كأنّه كان فيهم وهو منتظر

إن يرفعوهم جميعا رفع مبتدإ ... فحقّه الرفع أيضا إنّه خبر (١)

أمثله بينكم يلفى بمضيعة ... حتّى يطيح له عمدا دم هدر (٢)

يكون وهو أمانيّ لغيركم ... تنوبه منكم الأحداث والغير

والله لو أنّه في غير أرضكم ... لكان منكم على أبوابه زمر

مثل ابن تيميّة ينسى بمحبسه ... حتى يموت ولم يكحل به بصر

مثل ابن تيميّة ترضى حواسده ... بحبسه ولكم في حبسه عذر

مثل ابن تيميّة في السجن معتقل ... والسجن كالغمد وهو الصارم الذّكر

مثل ابن تيميّة يرمى بكلّ أذى ... وليس يجلى قذى منه ولا نظر

مثل ابن تيميّة تذوي خمائله ... وليس يلقط من أفنانه الزهر

مثل ابن تيميّة شمس تغيب سدى ... وما ترقّ لها الآصال والبكر

مثل ابن تيميّة يمضي وما عتقت ... بمسكه العاطر الأردان والطرر!

مثل ابن تيمية يمضي وما نهلت ... له سيوف ولا خطيّة سمر

ولا تجارى له خيل مسوّمة ... وجوه فرسانها الأوضاح والغرر

ولا تحفّ به الأبطال دائرة ... كأنهم أنجم في وسطها قمر

ولا تعبّس حرب في مواقفه ... يوما ويضحك في أرجائه الظّفر

حتّى يقوّم هذا الدين من ميل ... ويستقيم على منهاجه البشر

بل هكذا السلف الأبرار ما برحوا ... يبلى اصطبارهم جهدا وهم صبر

[١٠٢ أ] تأسّ بالأنبياء الطّهر كم بلغت ... فيهم مضرّة أقوام وكم هجروا

في يوسف في دخول السجن منقبة ... لمن يكابد ما يلقى ويصطبر

ما أهملوا أبدا، بل أمهلوا لمدى ... والله يعقب تأييدا وينتصر

أيذهب المنهل الصافي وما نقعت ... به الظماء ويبقى الحمأة الكدر (٣)؟

مضى حميدا ولم يعلق به وضر ... وكلّهم وضر في الناس أو وذر (٤)


(١) تورية بالرفع، وهو من خيال النحاة.
(٢) طاح هنا في معنى ضاع.
(٣) نقع بالماء: روي. والظماء ج الظامئ، والحمأة: الطين الأسود.
(٤) الوذر: اللحم المقطّع. والوضر: الوسخ.

<<  <  ج: ص:  >  >>