للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

جميلا، إن تقدّمتني احتسبتك، وإن ظفرت سررت بظفرك. اخرج حتى انظر إلى ما يصير أمرك.

فقال: جزاك الله خيرا! فلا تدعي الدعاء لي!

فقالت: لا أدع الدعاء لك أبدا. فمن قتل على باطل فقد قتلت على حقّ.

ثم قالت: اللهمّ احم طول ذلك القيام في الليل الطويل، وذلك النحيب والظمأ في هواجر مكّة والمدينة، وبرّه بأبيه وبي، اللهمّ قد أسلمته لأمرك فيه ورضيت بما قضيت، فأثبني فيه ثواب الصابرين الشاكرين.

فتناول يدها ليقبّلها، فقالت: هذا وداع فلا تبعد.

فقال لها: جئت مودّعا لأنّي أرى هذا آخر أيّامي من الدنيا.

قالت: امض على بصيرتك وادن منّي حتى أودّعك.

فدنا منها فعانقها وقبّلها فوقعت يدها على الدرع فقالت: ما هذا صنيع من يريد ما تريد.

فقال: ما لبسته إلّا لأشدّ منك.

قالت: فإنّه لا يشدّ منّي. (١)

فنزع درعه ثم درج كمّيه وشدّ أسفل قميصه وجبّة خزّ تحت السراويل وأدخل أسفلها تحت المنطقة، وأمّه تقول: البس ثيابك مشمّرة!

فخرج وهو يقول [الرجز]:

إنّي إذا أعرف يومي أصبر ... وإنّما يعرف يومه الحرّ

إذ بعضهم يعرف ثمّ ينكر

فقالت: [تصبر إن شاء الله! أبواك أبو بكر

والزبير، وأمّك صفيّة بنت عبد المطّلب.

فحمل على أهل الشام حملة منكرة، وقاتلهم قتالا شديدا، فتعاوروا عليه فقتلوه يوم الثلاثاء من جمادى الآخرة، وله ثلاث وسبعون سنة] (١*).

[[نجابة ابن الزبير منذ صباه]]

... [١٥٠ أ] وقيل: أوّل ما علم من همّة ابن الزبير أنّه كان ذات يوم يلعب مع الصبيان، وهو صبيّ، فمرّ بهم رجل فصاح ففرّوا، ومشى ابن الزبير القهقهرى وقال: «يا صبيان اجعلوني أميركم وشدّوا بنا عليه» ففعلوا.

ومرّ به عمر بن الخطّاب وهو يلعب، ففرّ الصبيان ووقف هو. فقال له عمر: ما لك لم تفرّ مع أصحابك؟

قال: لم أجرم فأخاف، ولم تكن الطريق ضيّفة فأوسع لك.

وروي عن الشعبيّ أنّه قال: لقد رأيت عجبا:

كنّا بفناء الكعبة، أنا، وعبد الله بن عمر، وعبد الله بن الزبير، ومصعب بن الزبير، وعبد الملك بن مروان. فقال القوم بعد أن فرغوا من حديثهم: ليقم رجل رجل فليأخذ بالركن اليمانيّ فليسأل الله تعالى حاجته فإنّه يعطى من سعة. قم يا عبد الله بن الزبير فإنّك أوّل مولود ولد في الهجرة.

فقام فأخذ بالركن اليمانيّ ثم قال: اللهمّ إنّك عظيم ترجى لكلّ عظيم: أسألك بحرمة وجهك وحرمة غرسك وحرمة بيتك أن لا تميتني حتّى تولّينيالحجاز ويسلّم عليّ بالخلافة.

وجاء حتّى جلس. فقالوا: «قم يا مصعب بن الزبير». فقام حتى أخذ بالركن اليمانيّ فقال:

«اللهمّ، إنّك ربّ كل شيء، وإليك كلّ شيء أسألك بقدرتك على كلّ شيء أن لا تميتني حتى


(١) لم تفهم الشدّ منه ومنها، والحوار نفسه في الكامل وعن الطبري.
(١*) سقوط في الرواية، والإكمال من الطبريّ، ٦/ ١٨٩ والكامل ٤/ ٢٥، أو ٣٥٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>