للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وقد كان طلب منه ذلك قبل قتل ابن الزبير، فقال:

حتّى يجتمع الناس! وكتب بعد قتل ابن الزبير إلى عبد الملك يطلب الأمان له ولمن معه فكتب إليه بذلك، فأتي به الحجّاج وبايع لعبد الملك. وبعث لأسماء بنت أبي بكر أمّ عبد الله أن تأتيه، وقد ذهب بصرها فأبت، فأرسل إليها: لتجيئنّ أو لأبعثنّ إليك من يسحبك بقرونك!

فقالت: والله لا آتيك حتّى تبعث إليّ من يسحبني بقروني!

فأتى رسوله فأخبره، فقال: يا غلام ناولني سبتيّتي. فناوله نعليه فقام حتّى أتاها، فقال لها:

كيف رأيت الله صنع بعدوّ الله؟

قالت: رأيتك أفسدت عليه دنياه وأفسد عليك آخرتك. وقد سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلم يقول: «إنّ في ثقيف كذّابا ومبيرا، فأمّا الكذّاب [٣٢١ ب] فقد رأيناه (١). وأمّا المبير فأنت ذاك (٢)»! .

فخرج عنها وسار من مكّة إلى المدينة، وقد استعمله عبد الملك على الحرمين مكّة والمدينة.

فقدمها وأقام بها نحو الشهرين يسيء إلى أهلها ويستخفّ بهم، ويقول لهم: أنتم قتلة أمير المؤمنين عثمان رضي الله عنه!

وختم على أيدي جماعة من الصحابة بالرصاص استخفافا بهم كما يفعل بأهل الذمّة، منهم جابر بن عبد الله، وأنس بن مالك، وسهل بن سعد الساعدي رضي الله عنهم. ثمّ عاد إلى مكّة وقال: الحمد لله الذي أخرجني من أمّ نتن! أهلها أخبث أهل بلد، وأغشّه لأمير المؤمنين وأحسدهم له على نعمة. والله لولا ما كان ما بيني [وبينهم] من كتب أمير المؤمنين فيهم، لجعلتها

مثل جوف الحمار! إنّما هي أعواد يعوذون بها ورمّة قد بليت! حتّى متى يقولون: منبر رسول الله، وقبر رسول الله؟

فبلغ قوله جابر بن عبد الله، فقال: إنّ وراءه ما يسوءه. قال فرعون: أنا ربّكم الأعلى، فأخذه الله بعد أن أمطره.

وحجّ بالناس الحجّاج عامه، وهو على مكّة والمدينة واليمن واليمامة. وقيل: إنّ المدينة لم تضف إليه إلّا في سنة أربع وسبعين لمّا عزل عبد الملك طارق بن عمر عنها، وولّى الحجّاج عوضه، فعمل بالصحابة رضي الله عنهم ما تقدّم ذكره وأقام بها شهرا يستخفّ بحرمتها. وخرج منها معتمرا حتى قدم مكّة، فهدم بناء ابن الزبير الذي بناه في الكعبة وأعاد البناء الأوّل. فسدّ الباب الغربيّ، وأخرج الحجر من البيت وردم بالحجارة في الكعبة، حتى صار ما بها على ما هو عليه إلى اليوم.

[[ولايته العراقين]]

فلمّا كانت سنة خمس وسبعين، مات بشر بن مروان، فكتب إليه عبد الملك أن فد عليّ، فوفد عليه فولّاه العراق. وقيل: إنّ عهد الحجّاج أتاه وهو بالمدينة، وهذا أثبت. وأمره عبد الملك أن يبدأ بالكوفة، فنزلها ولم يأت البصرة خوفا منه على خالد بن عبد الله، فإنّ بشر بن مروان كان قد استخلفه عليها، وكان بين الحجاج وبين خالد عداوة. وكان الحجّاج قد عبث بآل أسيد بمكّة، وعبث خالد بثقيف بالبصرة. وكان الحجّاج يقول لمّا قدم الكوفة: غفر الله لأمير المؤمنين! لو أذن لي فقدمت على خالد لأخذت منه مثل خراج العراق!


(١) مروج الذهب ٣/ ٣١٨: فهو المختار.
(٢) البصائر والذخائر ٢/ ١٤٤ (٤٩٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>