للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

له حصيرا فهبّت الريح فقلبته فتطيّر الناس لذلك فقال إبراهيم: إنّا لا نتطيّر! - وجلس عليه مقلوبا.

وحبس سفيان بن معاوية والقوّاد، وبعث خمسين من أصحابه فهزموا جعفرا ومحمدا، ابني سليمان بن عليّ، وهما في ستّمائة. ونادى منادي إبراهيم: لا يتبع منهزم، ولا يذفف (١) على جريح! - وصفت له البصرة.

ووجد في بيت مالها ألفي ألف درهم فقوي بذلك، وفرض لأصحابه خمسين لكلّ رجل. وأتاه ناس فقالوا: يا ابن رسول الله، قد أتيناك بمال فاستعن به.

فقال: من كان عنده شيء، فليعن به أخاه. أمّا أن آخذه فلا! فما هي إلّا سيرة عليّ [بن أبي طالب] رضي الله عنه أو النار! .

وتتبّع ولاة السلطان فأخذ ما عندهم من مال السلطان. وقال [لبعض أصحابه وقد عرض عليه أن يعصر عمّال أبي جعفر] (٢): لا حاجة لي في مال لا يأتي إلّا بعذاب.

[تردّده وقلّة حزمه]:

إلّا أنّه كان يأتيه الآتي فيسارّه بالشيء فيقول:

نادوا بكذا! - فينادي به. ثمّ يأتيه آخر فيسارّه بغير ذلك فيقول: نادوا به! - فينادي في اليوم الواحد بأشياء متضادّة فيتعجّب منه.

وتزوّج [بعد مقدمه البصرة] بهكنة بنت عمر بن سلمة الهجيميّ (٣)، فكانت تأتيه في مصبّغاتها

وألوان طيبها، فيقول يونس بن حبيب: جاء إبراهيم ليزيل الملك، فألهته بنت عمر بن سلمة عمّا جاء له.

هذا وقد أهديت امرأة إلى المنصور في تلك الأيّام، فقال: ليست هذه أيّام نساء! .

وبثّ إبراهيم رجاله فبعث إلى فارس، وإلى الأهواز، وإلى واسط فملك الجميع. فلمّا أتاه نعي أخيه محمد قبل الفطر بثلاثة أيّام (٤)، خرج بالناس إلى المصلّى، وفيه انكسار. فصلّى بهم وأخبرهم بقتله، فازدادوا في قتال المنصور بصيرة. وأصبح من الغد فعسكر. واستخلف على البصرة ثميلة بن مرّة، وترك ابنه حسنا معه. فأشار عليه أهل البصرة أن يقيم ويبعث الجنود. وأشار أهل الكوفة بالمسير إليها. فسار يريد الكوفة، وقد وجّه إليه المنصور بعيسى بن موسى لمّا وافاه من الحجاز، فسار في خمسة عشر ألفا.

وسار إبراهيم فسمع ليلة في عسكره أصوات الطنابير، فقال: ما أطمع في نصر عسكر فيه مثل هذا- وندم على مسيره [٤٤ أ]، وكان ديوانه قد أحصى مائة ألف. فأشير عليه بأن يخالف عيسى بن موسى ويقصد الكوفة، فإنّ المنصور لا يقدم له، وينضاف أهل الكوفة، فأبى.

وأشير عليه أن يبيّت عيسى، فقال: أكره البيات إلّا بعد الإنذار. ومضى حتّى نزل باخمرى، وهي على ستّة عشر فرسخا، قريبا من عيسى. فأشير عليه أن يخندق على نفسه، فلم يرض ذلك أصحابه، وتصافّوا. فجعل إبراهيم من معه صفّا واحدا. وأشير عليه أن يجعلهم كراديس فإذا انهزم كردوس، ثبت كردوس، فإنّ الصفّ إذا انهزم تداعى سائره. فأبى أصحابه.


(١) ذفّ على الجريح (بوزن ضرب): أجهز عليه. والكلمة مطموسة، وأصلحناها من تاريخ الطبري ٧/ ٦٣٥.
(٢) زيادة يقتضيها معنى التعفّف المقصود، وهي موافقة لما في مقاتل الطالبيّين ٢٤٢.
(٣) في المخطوط: التجيبيّ. وعمر بن سلمة تميميّ هجيميّ كما في الطبري ٧/ ٦٢٨.
(٤) قد مرّ أن النعي أتاه يوم الفطر.

<<  <  ج: ص:  >  >>