للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

[[المفاوضة بين رءوس الشام وابن الزبير]]

وصار النعمان بن بشير يخلو بابن الزبير في الحجر كثيرا. فقال عبد الله بن عضاه يوما: يا ابن الزبير، إنّ هذا الأنصاريّ والله ما أمر بشيء إلّا وقد أمرنا بمثله، إلّا أنّه قد أمّر علينا، وإنّي لا أدري والله ما بين المهاجرين والأنصار.

فقال ابن الزبير: ما لي ولك؟ إنّما أنا بمنزلة حمام من حمام مكّة. أفكنت قاتلا حماما من حمام مكّة؟

[١٤٤ ب] قال: نعم، وما حرمة حمام مكّة؟ يا غلام، ائتني بقوسي وأسهمي!

فأتاه بقوسه وأسهمه فأخذ سهما فوضعه في كبد القوس ثمّ سدّده نحو حمامة من حمام المسجد ثمّ قال: يا حمامة، أيشرب يزيد بن معاوية الخمر؟

قولي نعم. والله لئن فعلت لأرمينّك! يا حمامة، أتخلعين يزيد بن معاوية وتفارقين أمّة محمد، وتقيمين في الحرم حتى يستحلّ به؟ والله لئن فعلت لأرمينّك!

فقال ابن الزبير: ويحك! أو يتكلّم الطائر؟

قال: لا، ولكنّك يا ابن الزبير تتكلّم، وأقسم بالله لتبايعنّ طائعا أو مكرها، أو لتعرفنّ راية الأشعريّين في هذه البطحاء، ثم لا أعظّم من حقّها ما تعظّم.

فقال ابن الزبير: أو تستحلّ الحرم؟

فقال: إنّما يستحلّه من ألحد فيه.

فحبسهم شهرا، ثمّ ردّهم إلى يزيد بن معاوية ولم يجبه إلى شيء.

وقال أبو العبّاس الأعمى في [قول] عبد الله بن الزبير [إنّ] بطنه شبر [البسيط]:

ما زال في سورة الأعراف يدرسها ... حتى فؤادي مثل الخزّ في اللين

لو كان بطنك شبرا قد شبعت وقد ... أفضلت فضلا كبيرا للمساكين

ومضى عبد الله بن الزبير إلى صفيّة بنت أبي عبيد زوجة عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما، وذكر أنّ خروجه كان غضبا لله عزّ وجلّ ورسوله صلّى الله عليه وسلّم والمهاجرين والأنصار من أثرة معاوية وابنه يزيد بالغيّ، وسألها مسألته أن يبايعه. فلمّا قدّمت له عشاءه ذكرت له أمر ابن الزبير واجتهاده وأثنت عليه وقالت: ما يدعو إلّا إلى طاعة الله عزّ وجلّ- وأكثرت القول في ذلك. فقال لها: أما رأيت بغلات معاوية التي كان يحجّ عليها الشهب؟

فإنّ ابن الزبير ما يريد غيرهنّ!

وقيل لابن الزبير: الصلح أجمل.

فقال: والله لضربة سيف في عزّ أحبّ إليّ من ضربة سوط في ذلّ.

ودعا لنفسه وحجّ بالناس سنة ثلاث وستّين وهو يسمّى يومئذ «العائذ» ويري أصحابه أنّ الأمر شورى. وأقام على خلع يزيد ومالأه على ذلك أكثر الناس. فجاءه الخبر بوقعة الحرّة (١*) هلال المحرّم سنة أربع وستّين مع المسوّر بن مخرمة ففجأه أمر عظيم واستعدّ هو وأصحابه، وعرفوا أنّ مسلم بن عقبة (٢*) المرّي نازل بهم. فسار إليه مسلم بعد فراغه من وقعة الحرّة، فهلك في طريقه إليه، واستخلف على قتال ابن الزبير الحصين بن


(١*) حاشية: كانت وقعة الحرّة بالمدينة لثلاث بقين من ذي الحجّة سنة ثلاث وستّين. وهنا يتساءل المرء هل هذه الحواشي هي من صنع المؤلّف، مع أنّ الخطّ واحد؟
ولعلّ المقريزي ينقل ما يجده عند سالفيه ويسجّل التاريخ المخالف استعدادا للتنسيق أو الاختيار عند التبييض.
(٢*) حاشية في الهامش: مسلم بن عقبة بن رياح بن أسعد بن ربيعة بن مالك بن مرّة بن عوف بن سعد بن ذبيان بن بغيض بن ريث بن غطفان بن سعد بن قيس بن عيلان.

<<  <  ج: ص:  >  >>