للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

ليث خيس (١) شرس، وللأقران مفترس، وإنّه لكما قال أبو سفيان بن الحرث بن عبد المطّلب [الطويل]:

فإنّ لنا شيخا إذا الحرب شمّرت ... بديهته الإقدام قبل التزاحف

[١٠٨ أ] أخو الحرب قد عضّت به فتفلّلت ... نواجذ من أنيابها في المزاحف (٢)

ولمّا مات جعفر الأكبر ابن المنصور اشتدّ جزعه عليه. فلمّا قبر وسوّي عليه التراب قال: يا ربيع، كيف قال مطيع بن إياس في يحيى بن زياد؟

فأنشده [المنسرح]:

يا أهل بكّوا لقلبي القرح ... وللدموع الذوارف السّفح

راحوا بيحيى ولو تطاوعني ال ... أقدار لم يبتكر ولم يرح

يا خير من يحسن البكاء له ال ... يوم ومن كان أمس للمدح

أعقبت حزنا من السرور وقد ... أدلت مكروهنا من الفرح

فبكى المنصور وقال: صاحب القبر أحقّ بهذا الشعر.

وقال المنصور يوما لابنه محمد المهديّ: يا بنيّ، استدم النعمة بالشكر، والقدرة بالعفو، والطاعة بالتأليف، والنصر بالتواضع لله والرحمة للناس.

[[بعض خطبه]]

ولمّا أتاه مخرج محمد بن عبد الله شنّ (٣) عليه درعه ولبس خفّه وصعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه ثمّ قال [البسيط]:

ما لي أكفكف عن سعد ويشتمني ... ولو شتمت بني سعد لقد سكنوا

جهلا علينا، وجبنا عن عدوّهم ... لبئست الخلّتان، الجهل والجبن!

أما والله لقد عجزوا عمّا قمنا به فما عضدوا الكافي ولا شكروا المنعم، فماذا حاولوا؟ أأشرب رنقا (١*) على غصص، وأبيت منهم على مضض؟

والله إنّي لأصل ذا رحم بقطيعة نفسي، ولئن لم يرض بالعفو منّي ليطلبنّ ما لا يوجد عندي. ولأن أقتل معذورا أحبّ إليّ من أن أحيا مستذلّا. فليبق ذو نفس على نفسه قبل أن يقضي نحبه، ثمّ لا أبكي عليه ولا تذهب نفسي حسرة لما ناله.

وخطب يوم عرفة فقال: أيّها الناس، إنّما أنا سلطان الله في أرضه، أسوسكم بتوفيقه وتسديده وإرشاده، وخازنه على ماله وفيئه، أعمل فيه بمشيئته وأقسمه بإرادته وأعطيه بإذنه. وقد جعلني الله قفلا فإذا شاء أن يفتحني فتحني. فارغبوا إلى الله واسألوه في هذا اليوم الشريف الذي وهب لكم فيه من فضله ما أعلمكم في كتابه إذ يقول: الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً [المائدة: ٣] أن يوفّقني للصواب ويسدّدني للرشاد ويلهمني الرأفة بكم وقسم أرزاقكم فيكم بالعدل [١٠٨ ب] عليكم والإحسان إليكم.

وبعث في سنة خمس وأربعين ومائة رجالا يطلبون له موضعا يبني فيه مدينة، فكانوا يأخذون تربة كلّ أرض فإذا عجنت (٢*) خرجت منها العقارب والخنافس. فلمّا أخذت تربة بغداد خرجت منها بنات وردان، فقال «هذه! هذه! » فنزل الدير الذي على الصراة وقال: بغداد بلد تأتيه


(١) الخيس بالكسر: الأجمة الملتفّة ومنها عرين الأسد.
(٢) كلّ هذه الشواهد عند الطبريّ، ٧/ ٦٢١ و ٨/ ٩٥ ومنه الزيادة.
(٣) شنّ الدرع على جسمه: صبّها ولبسها.
(١*) الرنق: الماء الكدر. والكلمة من الأضداد.
(٢*) في المخطوط: عضنت ولم نجدها في المعاجم.

<<  <  ج: ص:  >  >>