للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

ذلك بقيّة سنة أربع وسنة خمس وثلاثين.

وكان القائم بأمر الله قد عقد الأمر في حياته لابنه قاسم (١) فمات قاسم، ورجع الأمر إلى إسماعيل في الوقت المقدّم ذكره، دون عمومته وإخوته (٢). فلمّا كانت سنة ستّ وثلاثين أظهر إسماعيل موت أبيه بعد أن أمكنه الله من أبي يزيد، فتسمّى حينئذ بأمير المؤمنين.

[[استعداده لحرب أبي يزيد]]

ولمّا أفضى الأمر إليه أخذ في أهبة السفر وأعدّ السلاح وآلة الحرب وألقى المراكب في الماء وشحنها بالرجال والسلاح والعدّة، ووجّه بعضها إلى مدينة سوسة وقوّد عليها رشيقا الكاتب، فوصل إليها لإحدى عشرة خلت من شوّال. ثمّ ركب لعشر بقين منه إلى دار الصناعة، وأمر يعقوب بن إسحاق أن يشحن ستّة مراكب بالرجال من ساعته ففعل. فأمره أن يركب فيها فعظم ذلك عليه، وسأله أن يمضي إلى داره لوداع أهله فمنعه من ذلك، وأمره أن يمضي [١٨٩ ب] بالمراكب إلى سوسة ويلتقي مع رشيق وقال: «لا تقاتلوا أحدا حتّى يأتيكم رسولي، وإن طلب أبو يزيد والبربر قتالكمفلا تقاتلوهم». فتوجّه يعقوب لا يدري أحد ما أسرّ إليه.

ثمّ قال لجماعة كتامة والعبيد: «وافوني بالغداة في قرية «بكّة» بسلاحكم وعدّتكم، فإنّي أريد أن أتنزّه وأرى آثار العدوّ» - يعني أبا يزيد- وقرية بكّة

على ميلين من المهديّة. فبكّر من قصره في شرذمة من عبيده وخدمه قبل الصبح من يوم الاثنين لتسع بقين من شوّال ووافته العساكر فتوجّه بهم مع الساحل يريد مدينة سوسة، وهم لا يدرون إلى أين يقصد ومع ذلك يخافون من أبي يزيد لما يعلمون من قوّته وكثرة عدده. فبلغ قرية «لمطة»، وهي نصف الطريق من المهديّة إلى سوسة. فاجتمع الناس إليه وسألوه عن مراده وأن لا يخاطر بنفسه وبهم. وكانت (٣) عدّتهم ستّمائة فارس. فقال لهم: «قد عزمت على التّمادي إلى هذا العدوّ بنفسي». فسألوه وتضرّعوا إليه في الرجوع حتى أذعن. فدعا كبون بن تصولا وقدّمه إلى سوسة ووصّاه، فتوجّه، وقد حار من قوّة العدوّ وشدّة شوكته لأنّه كان في زيادة على مائة ألف وكبّون في أربعمائة فارس. وقدم المنصور بمن معه إلى المهديّة فوافاها صلاة المغرب.

[فكّ الحصار عن سوسة]:

فلمّا كان صباح يوم الثلاثاء قرّب يعقوب مراكبه إلى البرّ وأنزل رجاله في هدوء وسكون بالقرب من الباب. فجلسوا تحت درقهم، ووقف راكبا في وسطهم فخرج إليه رشيق بمن معه، والرماة يحمونه من أعلى السور. فلمّا رآهم أبو يزيد وتأمّل سكونهم قال: «هؤلاء قوم ينتظرون غيرهم».

وقرب كبّون من أبي يزيد، فركب أبو يزيد بجموعه، وخرج أهل سوسة مع رجال المنصور، فاقتتلوا قتالا شديدا فانكسر أبو يزيد وانهزم إلى القيروان ثمّ توجّه إلى ناحية سبيبة. وغنم أصحاب المنصور أثقاله، وقتلوا من أصحابه خلقا كثيرا.

فخرج المنصور لمّا بلغه فتح سوسة في يوم الأربعاء لسبع بقين منه، فوصل إلى سوسة ونزل


(١) لم يرد اسم قاسم هذا في أبناء القائم كما عدّدهم المقريزيّ في ترجمته للخليفة الثاني (ترجمة القائم ٦/ ١٦٩ رقم ٢٦٤١).
(٢) الوراثة لا تنتقل إلى الإخوة في تقاليد الإسماعيليّة، فلا وجه لهذا التوضيح من المقريزيّ، إلّا إذا أراد أن يلمّح إلى المنافسات التي انجرّت عن تعيين المنصور والتي نجد صداها في المجالس والمسايرات للقاضي النعمان وفي سيرة جوذر.
(٣) في المخطوط: وكان.

<<  <  ج: ص:  >  >>