فصار يكتب له بالقمح، فلمّا فرغ أتاه الدقّاق بالحساب، ومعه أربعمائة دينار فضلت من ثمن القمح، فقال له: اعفني منها.
فقام الدقّاق بها، فلمّا خرج اعترضه عبد الله بن أبي زنبور وأخذ الأربعمائة منه لنفسه.
[[جوده على العلماء والفقراء]]
وقدم عليه مرّة الفقيه أبو بكر عبد الرحمن بن سلمويه الرازيّ بكتاب من مكّة، وكان ألحى. فقرأ الكتاب وتبسّم ثمّ قال: هذه لحية ما تحتاج إلى كتاب.
فقال له أبو بكر: إيش هذا؟ شيخ وسخيف؟
فضحك وأمر له بمائتي دينار.
وكان يرسل إلى منصور الفقيه في كلّ شهر مائة دينار، وكانت له جراية على جماعة من أهل العلم والأدب، وكان يكرمهم، وحبّس على آل البيت عليهم السلام وعلى أبناء الصحابة رضوان الله عليهم أملاكا ثمنها مائة ألف دينار تعقد مالا كثيرا.
واعتقله أبو القاسم علي بن أحمد بن بسطام متولّي خراج مصر ومعه ابن أخيه أبو بكر محمد بن عليّ في سنة سبع وثلاثمائة وطالبهما بحساب ومال. فاتّفق موت أخيه أبي بكر الأعور، فخرج في جنازته هو وابن أخيه موكّلا بهما بسفارة الأمير ذكّا. فلمّا مشيا في الجنازة ثارت الرعيّة ومرّت معهما حتى انتهت إلى دار أبي زنبور، فجلس من الرعيّة آلاف على بابه حتى العتمة. فبعث إليهم يشكرهم، وسألهم الانصراف فانصرفوا. ومضى بابن أخيه إلى ابن بسطام، فاحتشم وقال:
انصرفوا- وشكر مجيئهما إليه.
[علوّ منزلته عند خلفاء بغداد]
ولمّا ولي محمد بن جعفر القرطيّ الخراج، جاءه أبو زنبور ومعه ابن أخيه أبو بكر، فقام لهما وتلقّاهما وجثا بين أيديهما، فقال له أبو زنبور:
ربّيتنا وحملتنا وحملت العمل- والقرطيّ يقبّل الأرض استعظاما لما يخاطبه به. ثمّ قال: قد جئنا مع التهنئة في حاجة: أحبّ أن ترسل من ترضاه ليصون ضياعنا ويحميها.
فقال: أنا أخرج بنفسي وأخدم فيها، وهل أنا إلّا عبدكما؟
ثمّ نهضا، وكان أبو بكر قد ضاق صدره من ولاية القرطيّ، فقال له: لا يضيق صدرك، هذا أمر يزول عن قريب. فاقبل ما أقول لك وقم بنا نهنّئه.
فقاما بعد امتناع من أبي بكر.
ثمّ إنّ أبا زنبور سار بابن أخيه أبي بكر إلى العراق، وقدما إلى مصر لصرف القرطيّ، وكان مع جودة رأيه وقوّة نفسه يمشّي الأمور باللطف والحيلة. وكان تكين أمير مصر يتّقيه، حتّى إنّه تنازع معه مرّة في مجلس مؤنس. فقال له تكين:
الساعة ألكمك [و] أطرح أضراسك!
فقال له: تقول لي هذا وفي ملكي ستّة عشر غلاما، اسم كلّ واحد منهم تكين؟ - وقام مغضبا.
ومدحه البحتريّ (١) والمريمي بمدائح كثيرة.
وأجاز البحتريّ مرّة على مديحه بألف دينار.
ورأى ازدحام الناس على بابه بخيولهم، فقال:
هذا يؤذي السابلة- واشترى دارا تجاه داره وهدمها وجعل موضعها براحا يقف الناس فيه بدوابّهم.
وزار بعض وكلائه في مرضة مرضها، فقال له الوكيل: حاللني ممّا أخذت منك.
(١) لا توجد مدائح مباشرة له في ديوان البحتريّ، وإنّما يذكر أبو زنبور عرضا في مدائح غيره (ص ٨١٧، و ٩٤٧، و ٢٢٠٦ من طبعة الصيرفيّ)، والمريميّ إن صحّت القراءة غير معروف.