للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

ودخل ابن هبيرة يوما على أبي جعفر فجعل يحدّثه، وأبو جعفر مزور عنه. فجعل ابن هبيرة يقول: عليّ فأقبل أيّها الرجل!

فلمّا خرج قال أبو جعفر: ألا تعجبون من ابن اللخناء وقوله لي؟

وقال أبو جعفر لمسلم بن قتيبة: ما كلّمت عربيّا قطّ أعظم نخوة من ابن هبيرة ولا أحسن عقلا. قال لي يوما وهو يكلّمني: «اسمع، لله أبوك! » ثم تدارك فقال: «إنّ عهدنا بالإمرة والولاية قريب، فلا تلمني. إنّها خرجت منّي على غير تقدير، فاغفرها». فقلت: قد غفرتها.

[[ولاية أبي جعفر الجزيرة]]

ولمّا انقضى أمر ابن هبيرة انصرف أبو جعفر والحسن بن قحطبة ومن معهما إلى أبي العبّاس، فاستعمل أبا جعفر على الجزيرة وأرمينية وأذربيجان في ذي القعدة سنة اثنتين وثلاثين.

فقدم قرقيسيا وعليها المنذر بن الزبير بن عبد الرحمن بن هبّار بن الأسود بن المطّلب بن أسد بن عبد العزّى، فدعاه إلى الطاعة فأبى.

فخلف عليها مالك بن الهيثم فقتل المنذر وصلبه.

ومضى أبو جعفر إلى الرقّة فدعا أهلها فلم يجيبوه فخلّف عليهم موسى بن كعب ففتحها وغلب عليها.

وسار أبو جعفر في مدن الجزيرة يصالح من دخل في طاعته ويخلّف على من التوى عليه حتّى فتحها. فكان ممّن صالح أهل الرها وأهل نصيبين وأهل دارا.

وخرج في ولايته بريكة بن حميد الشيبانيّ في قوم من الخوارج، فوجّه إليهم مقاتل بن حكيم العكّي واتّبعه من كفر توثا (١) إلى بعض قرى دارا فالتقوا فقتل محمد بن سعيد خدينة بن عبد العزيز بن الحرث بن الحكم بن أبي العاصي، وكان مع الخوارج، واعتصم بريكة بجبل دارا، فتوجّه إليه العكّي فقتله. وأمر أبو جعفر بهدم مدائن الجزيرة فهدمت إلّا حرّان [٨٧ أ]. واستعمل على أرمينية يزيد بن أسيد بن ذافر السلميّ. ثمّ شخص في جمادى الأولى سنة خمس وثلاثين إلى أرمينية فدوّخها. فاستأمن إليه جماعة كانوا في قلعة الكلاب (١*). وقفل منها سنة ستّ وثلاثين [ومائة]. وعزل يزيد بن أسيد وولّى أرمينية الحسن بن قحطبة.

[حجّ أبي جعفر وما كان من أبي مسلم إليه حتى كان سببا لقتله]

وكان أبو مسلم قد كتب إلى السفّاح يستأذنه في الحجّ. فكتب إليه: إنّ الجهاد أفضل من الحجّ.

فكتب: إنّه لا بدّ لي من الحجّ، فإنّي حججت وأنا تابع بغير مالي، وعلى غير ظهري، وفي نفسي من ذلك شيء.

فكتب إليه يأمره بالقدوم في ألف ويقول: إنّما تسير في سلطان أهلك، وطريق مكّة لا تحمل العساكر، فأمّا المال فلا تستكثر منه وعوّل علينا فيه.

فأقبل في الرجال ومعه الأموال حتى نزل الريّ، وخلّف بها ثمانية آلاف فارس، وخلّف الأموال.

وأتى الأنبار في ألف، وقال: إنّي لأرجو أن يموت أبو العبّاس فأكون أقوى مع من (٢*) يأتي بعده، ثم أغلب على الأمور، ويكون لي شأن من الشأن فلا يبقى بلد إلا وطئته برجليّ هاتين.

فلمّا دخل على أبي العبّاس السفّاح أظهر أبو


(١) كفر توثا: على خمسة أميال من دارا بينها وبين رأس-
- عين (ياقوت).
(١*) درب الكلاب عند ياقوت، في ديار بكر.
(٢*) في المخطوط: مع أقوى من ...

<<  <  ج: ص:  >  >>