للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

فقال: إن أنت لم تفعل رجعت فأعلمت السباع أنّك نكلت عنّي وجبنت عن قتالي.

فقال الأسد: احتمال عار كذبك أيسر عليّ من لطخ شاربي بدمك.

ولم يمكث ابن هبيرة بعد ذلك إلّا أيّاما حتى طلب الأمان وضرع إليه.

وقال المدائنيّ: قال بعض الخراسانيّين لبعض الفزاريّين: ما كان أعظم رأس صاحبكم!

فقال: أمانكم له كان أعظم!

قال المدائنيّ: حصره أبو جعفر تسعة أشهر.

ولمّا قتل أخرج إلى باب المضمار بواسط فصبّ النفط على جثّته وأحرق. وأمر أبو جعفر بهدم مدينة واسط.

وكان يقول حين حصر: والله لو كان أبو جعفر أعزّ من كليب وائل ما قدر عليّ! ولو كان أشجع من شبيب (١) ما هبته!

وقال أبو جعفر لإسحاق بن مسلم العقيليّ:

كيف رأيت صنيعي بابن هبيرة؟

فقال: تعزيرا، وقد سلّم الله. كنت في خرق، وحولك من يطيعه ويموت دونه ويتعصّب له من قيس وغيرها. فلو ثاروا لذهب الناس. ولكنّ أمركم جديد، والناس بين راج وهائب.

وقال هشام الكلبيّ: خرج ابن هبيرة حين خرج إلى أبي جعفر في جماعة، منهم جعفر بن حنظلة البهرانيّ، فألقى له الحاجب وسادة وقال: اجلس راشدا أبا خالد! وقد أطاف بالحجرة عشرة آلاف من أهل خراسان. ثم أذن له فدخل على أبي جعفر فألقيت له وسادة. فحدّث أبا جعفر ساعة. وكان يركب في خمسمائة فارس وثلاثمائة راجل. فقال

يزيد بن حاتم: ما ذهب سلطان ابن هبيرة بعد! إنّه ليأتينا فيتضعضع له العسكر، فليت شعري ما يقول في هذا عبد الجبّار وجهور بن مروان وأشباههم؟

فقال سلام لابن هبيرة: يقول لك الأمير: لا تسر في هذه الجماعة!

فركب (١*) في ثلاثين فقال له سلّام: كأنّك تريد المباهاة؟

فقال: إن أحببتم نمشي إليكم فعلنا.

فقال: ما هذا باستخفاف، ولكنّ أهل العسكر كرهوا هذا الجمع، فأمر الأمير بهذا نظرا لك.

فكان يركب في رجلين وغلامه.

وختمت خزائنه وبيت ماله ودار الرزق، وفيها طعام كبير.

وعزم أبو العبّاس على قتله. ووجد له كتابا إلى عبد الله بن حسن بن حسن. فأمر أبو جعفر عثمان بن نهيك بقتله [٨٥ ب] فقال: ليقتله رجل من العرب!

فندب له خازما والأغلب والهيثم بن شعبة.

وسأل أبو جعفر ابن هبيرة عن أدم كان قسمه فقال: أيّها الرجل توسّع توسّعا قرشيّا ولا تضق ضيقا حجازيّا! فما مثلي يسأل عن أدم ولا يعاتب عليه. وهذا ضرب أخماس لأسداس.

وقال له أبو جعفر يوما: يا أبا خالد حدّثنا!

فقال: والله لأمحضنّك النصيحة إمحاضا ولأخلصنّها لك إخلاصا: إنّ عهد الله لا ينكث وعقده لا يحلّ. وإنّ إمارتكم حديثة وخلافتكم بكر، فأذيقوا الناس حلاوتها وجنّبوهم مرارتها.

ثم نهض، ونهض معه سبعمائة من القيسيّة.

فقال أبو جعفر: لا يعزّ ملك هذا فيه.


(١) شبيب الخارجي: وفيات ٢/ ٤٥٤ (٢٨٨).
(١*) في المخطوط: فلمّا ركب.

<<  <  ج: ص:  >  >>