للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

كلفة كبيرة، فنقل بني سنبس من الداروم (١) بفلسطين، وكانوا قد ثقلت وطأتهم بتلك الأعمال وصعب أمرهم، فعدّى بهم إلى البحيرة، وهم أعداء قيس، وأوطأهم ديارهم وأقطعهم أرضهم، فامتحى اسم بني قرّة.

وكان تجهيزة العساكر لبني قرّة في شهر رمضان سنة ثلاث وأربعين وأربعمائة، وتسييرهم في مستهلّ شوّال. فخطّأه الناس كلّهم وغلّطوه في فعله وحكموا بأنّه لم يجرّد قطّ عسكر في شوّال فظفر، وأنّهم لا يأمنون على العسكر أن ينهزم وينكسر. وكان شمس الدولة (٢) [إليه] زمّ القصور والخدمة في الرسالة، وهو أيضا زمام الأتراك والقيصريّة، وليس في الدولة من يجري مجراه جلالة، وبينه وبين الوزير مباينة شديدة، ويتوقّع له الشرّ ويتربّص به الدوائر. فصار ينتظر انهزام العسكر ليقبض عليه، والأقدار تؤيّده بالسعادة العظيمة. فلمّا أراد أن يسيّر العسكر من الجيزة رتّب على الميمنة سنان الدولة ابن جابر، وعلى الميسرة حصن الدولة حيدرة بن منزوي، وجعل في القلب ناصر الدولة ابن حمدان، وهو المقدّم عليهما. وقرّر معه أن يكون اللقاء في يوم الخميس الخامس من شوّال، بطالع تخيّره له. وبعث معه عدّة من طيور الحمام ليطالعه بما يكون منه ومنهم يوما بيوم. فلمّا كان اليوم الذي تقرّر فيه اللقاء، جلس الوزير في داره وهو شديد القلق كثير الاهتمام بأمر العسكر، واحتجب عن الناس لشغل سرّه بهذا الأمر. وجلس ينتظر سقوط الطائر بما يكون. فلم يزل كذلك إلى الساعة الخامسة من

النهار. فقام ليجدّد طهار [ت] هـ وعبر بالبستان، وقد أطلق الماء في مجاريه، فرأى ورقة تمرّ على وجه الماء فأخذها متفائلا بها فوجدها أوّل كتاب كان وصل من القائد فضل إلى الحاكم بأمر الله، قد ذهبت طرّته وعنوانه وبقي صدره، وهو: كتب عبد مولانا الحاكم بأمر الله أمير المؤمنين من المخيّم المنصور في الساعة الخامسة من نهار يوم الخميس الخامس من شوّال، وقد أظفره الله عزّ وجلّ بعدوّ الله تعالى وعدوّ الحضرة المطهّر أبي ركوة المخذول، وهو في قبضة الإسار، والحمد لله ربّ العالمين.

فلمّا وقف على ذلك سجد إلى الأرض شكرا لله تعالى واستشعر الظفر وعجب من موافقة اليوم وعدّة [٣٦٢ ب] الأيّام من شوّال والإعلام بالظفر.

ثمّ تجهّز للصلاة، فما فرغ حتى سقط الطائر بانكسار بني قرّة وانهزامهم وبما منّ الله تعالى به من الظفر بهم، فأخذ الكتاب والورقة التي وجدها في الماء وركب إلى القصر ودخل إلى الخليفة المستنصر بالله وأوقفه على الكتاب، فسرّ وابتهج.

وأراه الورقة التي وجدها في الماء، وقال: هذا أعجب يا أمير المؤمنين- وحدّثه حديثه. فعجب من هذا الاتّفاق، ثمّ تواصلت الأخبار من ناصر الدولة بالبشرى وشرح الحال في الظفر وانهزام القوم. فخلع على الوزير، وزيد في ألقابه: الناصر للدين، غياث المسلمين، فقوي أمره، وذلّ خائب أعدائه، وعادوا يتقرّبون إليه بالخدمة، فأغضى عنهم ولم يؤاخذ أحدا منهم. وقدمت الرءوس ممّن قتل وأموال كثيرة من أموال أهل البجيرة.

[تخليصه أهل صقلّيّة من الأمراء الكلبيّين]

فلمّا خلا سرّ الوزير من أهل البجيرة، نظر في أمر مدينة صقلّيّة فإنّ أهلها كانوا يذكر خلافهم، وكاتبوا ابن باديس صاحب إفريقيّة وملّكوه عليهم،


(١) بنو سنبس طائيّون. والداروم أو الدارون: قرية بعد غزّة في اتّجاه مصر.
(٢) في المخطوط: يمن الدولة، والإصلاح من الاتّعاظ ٢/ ٢٢٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>