للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

[[وصوله معهم إلى بلاد كتامة]]

فلم يطمعهم وعلّق الأمر معهم على الاستخارة، وكان جلدا محتالا قد علم الحيل. ثمّ أظهر لهم الإجابة بعد المسألة. وسار معهم حتى انتهوا إلى سوجمار (١) حيث تلقّاهم رجال من الشيعة فأخبروهم بخبر أبي عبد الله الشيعيّ، فنظروا إلى تعظيم الكتاميّين إيّاه فرغبوا في نزوله عندهم حتى رموا عليه القرعة [في] من يضيّقه.

ثم رحلوا حتى دخلوا حدّ كتامة يوم الخميس النصف من ربيع الأوّل سنة ثمان وثمانين ومائتين (٢). فسأله قوم من خيارهم أن ينزل عندهم، فقال: أين يكون فجّ الأخيار؟

فنظر بعضهم إلى بعض تعجّبا، وكانوا لم يذكروه في طريقهم ولا سمّوه له- وإنّما أخذه من كلام صبيانهم.

فقالوا له: عند بني سكتان.

فقال: إليه نقصد! ثمّ نأتي كلّ قوم منكم في موضعهم ونزورهم في بيوتهم، فأرضي بذلك قلوب الجميع.

وسار إلى جبل يقال له «إيكجان» وفيه فجّ الأخيار، فقال: هذا فجّ الأخيار، وما سمّي إلّا بكم، لقد جاء في بعض الروايات أنّ للمهديّ هجرة تنبو [به] عن الأوطان ينصره فيها الأخيار من أهل ذلك الزمان: قوم مشتقّ اسمهم من الكتمان، فأنتم هم كتامة، وبخروجكم من هذا الفجّ [٤٤٠ أ] يسمّى فجّالأخيار.

وتسامعت به القبائل وتحدّث [ت] بفضله وعلمه (٣) في المحافل، وأتته البرابر من كلّ فجّ فأظهر ما أذهل عقولهم. وعظم أمره إلى أن تقاتل كتامة عليه مع قبائل البربر، وسلم من القتل مرارا، وهو مع ذلك لا يذكر لهم المهديّ. واجتمع أهل العلم على مناظرته يريدون قتله. فمنعته كتامة من مناظرتهم، وكان اسمه عند الناس «أبو عبد الله المشرقيّ» (٤).

[تحرّك الأغلبي لقمع ثورة الداعي]

وبلغ خبره إلى إبراهيم بن الأغلب أمير إفريقيّة، فأرسل إلى عامله على مدينة ميلة يسأله عن أمره.

فصغّره، وذكر أنّه يلبس الخشن ويأمر بالخير والعبادة. فلم يعرض له وسكت عنه.

ثمّ إنّه قال للكتاميّين: أنا صاحب البذر الذي ذكر [هـ] لكم أبو سفيان والحلوانيّ.

فقالوا: صدقت.

وازدادت محبّتهم له وإعظامه وقوي أمره وأطاع [ت] هـ قبائل البربر: هذا وابن حوشب يواصله (٥) ويسأله فيعرّفه ضعف بني العبّاس ببغداد.

فاتّفق أنّ البربر وكتامة اختلفوا بسبب أبي عبد الله وهمّ بعضهم بقتله، فاختفى. ووقع بين الفريقين قتال شديد، فأخذ الحسن بن هارون، أحد كبراء كتامة، أبا عبد الله إليه، ودافع عنه، ومضى به إلى مدينة تازروت (٦) فأتته القبائل من كلّ مكان، وعظم شأنه. وصارت الرئاسة


(١) سوجمار: هي قرية سجرمة الحاليّة بالجزائر (محمد الطالبيّ ٦٠٠)، وفي المخطوط: سوق حمار.
(٢) النصف من ربيع الأوّل سنة ٢٨٨ كان يوم أحد، وفي عيون الأخبار ٨٨: الخميس نصف ربيع الأوّل ٢٨٠، وهو يوم اثنين في الواقع.
(٣) في الأصل: وعمله.
(٤) وستصبح عبارة «المشارقة» تسمية تهجين للعبيديّين عند جمهور السنّة بإفريقيّة.
(٥) هكذا في المخطوط، ولعلّها: يراسله.
(٦) تاصروت في المخطوط، والتصويب من عيون الأخبار وغيره.

<<  <  ج: ص:  >  >>