للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

أيّوب الفزاريّ، وقد جمع جمعا وافرا. فلقيه وهزمه وقتل عامّة أصحابه. فجمع جمعا آخر فلقيه عبد الرحمن وهزمه. فجمع جمعا ثالثا، وأتاه عبد الواحد بن يزيد الهواري ثمّ المدهميّ (١) - وكان صفريّا- عونا له على حنظلة، فقاتلهما عبد الرحمن فقتل وأصحابه. ومضى عبد الواحد فأخذ تونس، وسلّم عليه بالخلافة، وخرج يريد القيروان. ومضى الفزاريّ إليها أيضا، كلّ منهما يبادر أن يسبق صاحبه. فلمّا رأى حنظلة ما غشيه من جموع البربر احتفر على القيروان خندقا.

وزحف عبد الواحد وكتب إلى حنظلة يأمره أن يخلّي له القيروان ومن فيه. فأسقط في يده، وظنّ أهل القيروان أنّهم سيسبون. وصار حنظلة إذا بعث الرسول ليأتيه بالخبر لا يخرج إلى مسيرة ثلاثة أيّام إلّا بخمسين دينارا.

[[وقعة القرن والأصنام (سنة ١٢٥)]]

فلمّا غشيه عبد الواحد نزل من القيروان على نحو مرحلة بمكان يقال له: الأصنام. ونزل الفزاريّ على ستّة أميال. فكتب حنظلة إلى الفزاريّ كتابا يثبّطه ويمنّيه، رجاء أن لا يجتمعا عليه فلا يطيقهما. وكان عكاشة أقرب إلى حنظلة.

فصبح عبد الواحد الأصنام بجموعه، وزحف حنظلة إلى الفزاريّ لقربه منه، ومعه أهل القيروان وقد أيسوا من الحياة لما كانوا يتخوّفونه من سبي الذاريّ وذهاب النساء والأموال. فلقيهم بالأصنام فهزم الله عبد الواحد وجمعه، وقتل من معه قتلا لا يدري ما هو، وهرب من بقي منهم وعجز عن إحصاء من قتل فعدّهم بالقصب فبلغت عدّتهم مائة ألف وثمانين ألف قتيل. وعاجل عكاشة الفزاريّ من ليلته فقاتله بالقرن وهو على غرّة لم يبلغه ما أصاب عبد الواحد، فهزمه الله ومن

معه وأخذ أسيرا فقتله حنظلة.

وكانوا كلّهم صفريّة يستحلّون سبي النساء.

وكان ذلك في سنة خمس وعشرين [ومائة]. فلمّا بلغ الليث بن سعد خبر هذه الوقعة قال: ما غزوة أحبّ إليّ أن أشهدها بعد غزوة بدر من [٤٢٦ أ] غزوة العرب بالأصنام (٢)!

وكان حنظلة كتب إلى معاوية بن صفوان [٤٢١ ب] عامله على أطرابلس يأمره أن يخرج إليه بمن معه، فسار إلى قابس، فبلغه خبر الوقعة.

فكتب إليه حنظلة في بربر خرجوا بنفزاوة وسبوا أهل الذمّة أن يسير إليهم، فمضى بمن معه وقاتلهم فقتل بعد ما قتل الصفريّة واستنقذ ما كانوا أصابوا من أهل الذمّة. فبعث حنظلة زيد بن عمرو الكلبيّ إلى جيش معاوية فعاد بهم إلى إطرابلس.

[[ثورة عبد الرحمن بن حبيب]]

فلمّا قدم خبر قتل الوليد بن يزيد بن عبد الملك، خرج من إفريقيّة عامّة القوّاد، وفيهم ثعلبة بن سلامة، إلى الشرق. فثار عبد الرحمن بن حبيب بن أبي عبيدة بن عقبة بن نافع الفهريّ بتونس وجمع لقتال حنظلة وإخراجه من إفريقيّة. فأرسل إليه حنظلة لمّا بلغه ذلك وجوه إفريقيّة يدعوه إلى الدعة والكفّ عن الفتنة. فأتاهم في طريقهم [خبر] ولاية مروان بن محمد الخلافة فهمّوا بالانصراف. فبعث إليهم عبد الرحمن خيلا صرفهم إليه. وكانوا قد كاتبوه سرّا، فبعث بهم في الحديد إلى تونس، حنقا من خروجهم إليه.

وكتب إلى حنظلة أن يخلّي له القيروان، وأجّله ثلاثا وكتب إلى صاحب بيت المال [أن] لا يعطيه


(١) المدغميّ في الكامل ٥/ ١٩٣ (حوادث سنة ١١٧).
(٢) عند الرقيق القيروانيّ ١٢٢ وابن عذاري ١/ ٥٩ والنويري (طبعة المغرب) ٢١٨ والسلاوي ١/ ١١٣: من غزوة القرن والأصنام. وانفرد الكامل ٥/ ١٩٤ مع مخطوطنا بهذه الرواية: من غزوة العرب بالأصنام.

<<  <  ج: ص:  >  >>