هو حجّة لله، قاهرة ... هو بيننا أعجوبة الدّهر
هو آية في الخلق ظاهرة ... أنوارها أربت على الفجر
ثمّ نزغ الشّيطان بينهما وغلبت على ابن الزملكانيّ أهويته فمال عليه مع من مال.
وقال قاضي القضاة تقيّ الدين أبو الفتح محمد ابن دقيق العيد لمّا اجتمع به عند حضوره إلى القاهرة في سنة سبعمائة: رأيت رجلا كلّ العلوم بين عينيه، يأخذ ما يريد ويدع ما يريد.
وحضر عنده العلّامة أثير الدين أبو حيّان [شيخ النحاة] فقال عنه: ما رأت عيناي مثله- ومدحه في المجلس بقوله [البسيط]:
لمّا أتينا تقيّ الدين لاح لنا ... داع إلى الله فرد، ما له وزر
على محيّاه من سيما الألى صحبوا ... خير البريّة نور دونه القمر
حبر تسربل منه دهره حبرا ... بحر تقاذف من أمواجه الدرر
قام ابن تيميّة في نصر شرعتنا ... مقام سيّد تيم إذ عصت مضر
فأظهر الحقّ إذ آثاره اندرست ... وأخمد الشرّ إذ طارت له الشرر
[١٠٠ أ] كنّا نحدّث عن حبر يجيء، فها ... أنت الإمام الذي قد كان ينتظر
ثمّ دار بينهما كلام جرى فيه ذكر سيبويه.
فتسرّع ابن تيميّة فيه بمقول نافره عليه أبو حيّان وقاطعه بسببه، ثمّ عاد أكثر الناس له ذمّا، واتّخذه ذنبا لا يغفر.
وكان قاضي القضاة نجم الدين أبو العبّاس ابن صصرى لا يسمح لمناظريه في بلوغ مرادهم من ضرره ويقول: ما لي وله؟
وحكى أبو حفص محمد بن علي بن موسى الزار البغداديّ قال: حدّثني الشيخ المقرئ تقيّ الدين عبد الله بن أحمد بن سعيد قال: مرضت بدمشق مرضة شديدة فجاءني ابن تيميّة فجلس عند رأسي وأنا مثقل بالحمّى والمرض. فدعا لي وقال: قم، جاءت العافية! - فما كان إلا [أن] قام وفارقني، وإذا بالعافية قد جاءت وشفيت لوقتي.
[مدح ابن فضل الله العمريّ له]:
وقال فيه الإمام الأوحد القاضي الرئيس كاتب الأسرار شهاب الدين أحمد بن يحيى بن فضل الله العمريّ:
هو البحر من أيّ النواحي جئته، والبدر من أيّ الضواحي أتيته. جرت آباؤه لشأو ما قنع به، ولا وقف طليحا مريحا من تعبه، طلبا لا يرضى بغاية، ولا تقضى له نهاية. رضع ثدي العلم منذ فطم، وطلع وجه الصباح ليحاكيه فلطم، وقطع الليل والنهار دائبين، واتّخذ العلم والعمل صاحبين، إلى أن نسي السلف بهداه، وأنأى الخلف عن بلوغ مداه [البسيط]:
وثقّف الله امرءا بات يكلؤه ... [يمضي] (١) حساماه فيه السيف والقلم
بهمّة في الثريّا أثر أخمصها ... وعزمة ليس من عاداتها السأم
على أنّه من بيت نشأت منه علماء في سالف الدهور، ونسأت منه عظماء على المشاهير الشهور، فأحيى معالم بيته القديم إذ درس، وجنى من فننه الرطيب ما غرس. وأصبح في فضله آية إلّا أنّه آية الحرس. عرضت له الكدى فدحرجها،
(١) الزيادة من مسالك الأبصار المخطوط، ٥/ ٢٩٤ والكلمة وردت في الهامش.