للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

حضرت إليه في الخيل أربعين سلسلة. ورسم أن تكون الخلع التي يخلعها على من يحضر من مماليك الأمراء إليه بالتقادم من الخزانة السلطانيّة.

فأقام بقلعة الجبل خمسة أيّام، وسار عائدا إلى دمشق على البريد يوم الاثنين رابع عشرينه.

فقدمها في يوم الاثنين أوّل شعبان، وكان يوما مشهودا.

وأضاف إليه السلطان الكلام في أمر سيس، ومنع الأمير الطنبغا نائب حلب من ذلك في سنة أربع وعشرين، فابتدأت العداوة بينهما.

وقدم إلى مصر باستدعاء في عاشر شهر ربيع الأوّل سنة خمس وعشرين، فأقام أيّاما، وعاد بإنعام جزيل.

وقدم في سنة سبع وعشرين باستدعاء، فبالغ السلطان في إكرامه، وأنزله بدار الأمير بكتمر الساقي، وكان السلطان قد خرج إلى لقائه بسرياقوس. وأشار السلطان بأن يزوّج ابنته من الأمير أحمد بن بكتمر الساقي، فعقد لها عليه وجهّزها جهازا عظيما، وكان من جملته دائر بيت فيه مبلغ ستّين ألف مثقال من الذهب. وألبسه السلطان تشريفا كاملا، بلغ مصروف القبا الفوقانيّ خاصّة مبلغ أربعة وخمسين ألف درهم فضّة.

[منشآته العمرانيّة بالشام]:

وعاد إلى دمشق فنظر في أوقاف الجوامع والمساجد والخوانك والزوايا والربط والمدارس، ومنع أن يصرف لأحد من أرباب معاليمها شيء حتى يرمّ شعثها، فعمرت كلّها أحسن عمارة.

ونظر في مقاسم المياه التي تتفرّق في الدور، فكسح ما اجتمع فيها من الأوساخ، وفتح منافذ كانت استدّت وصار الوخم يعتاد أهل دمشق في كلّ سنة بسببها، فتفشو بها الأمراض في الناس لما يخالط المياه. فزال ذلك كلّه وسرّ الناس سرورا كبيرا، وكثر الدّعاء له والثناء عليه. وبلغ المصروف على ذلك ثلاثمائة ألف درهم.

وبلغه قلّة الماء بمدينة القدس، فأخرج بعض ثقاته بمال ليجري إليها عينا، وكتب إلى ولاة الأعمال بإخراج الرجال للعمل، فأقاموا سنة في عملها حتى دخلت القدس. وبنى بها مصنعا سعته مائة ذراع (١)، فعظم نفع أهل القدس بها. وعمّر لهم بها حمّاما وخانكاه وقيساريّة، فكثر الناس بالقدس في أيّامه.

وقدم إلى بيروت تجّار الفرنج بمائة وأربعين أسيرا مسلمين اشتروهم ممّن أسرهم ليبيعوهم.

وكان قاضي القضاة جلا [ل] الدين محمد بن عبد الرحمن القزوينيّ قد قرّر معهم أن يفيدهم في الأسرى عشرين درهما المائة تكون ربحا على رأس المال. ففعل ذلك تنكز بعد ما حلف تجّار الفرنج أنّهم اشتروهم بكذا، وأعطاهم المال.

وكسا الأسرى وزوّدهم وبعث بهم إلى السلطان فعظم سرور الناس بهم، وأعلنوا بالدعاء له.

[[تطهير دمشق من الكلاب]]

وأمر شهاب الدين بن برق والي مدينة دمشق ووالي البرّ بجمع الكلاب [٣٣٥ ب] كلّها من جميع الجهات، وألزم التجّار والباعة بإحضارها وإلقائها في خندق المدينة، وبنى حائطا يحجز بين ذكورها وإناثها. فصار الناس يأتون بالكلاب من النواحي إلى تحت الطارمة (٢)، ومعهم الطبول والزمور وهم في ضجيج حتّى يلقوهم إلى الخندق، وقد خرج النساء والصبيان وعامّة الناس لرؤيتها،


(١) التفاصيل في السلوك ٢/ ٣٠٢.
(٢) طارمة قلعة دمشق: منظرة لجلوس السلطان سقفها على هيئة قبّة؛ السلوك ٢/ ٨٧٤ هامش ٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>