للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

المهديّ بالله أمير المؤمنين». فلمّا صعد الخطيب المنبر وانتهى إلى ذكر المهديّ قام جبلة بن حمّود الصدفيّ قائما وكشف رأسه حتى رآه الناس ومشى من المنبر إلى آخر الجامع وهو يقول: «قطعوها قطعهم الله! » يعني الخطبة لبني العبّاس- ويكرّرها. وقام الفقهاء ووجوه البلد معه فما حضر أحد من الأمثال (١) وجلس بعد الجمعة [٢٢١ أ] رجل يعرف بالشريف ومعه الدعاة وأحضروا الناس بالعنف والشدّة ودعوهم إلى مذهبهم، فأجابوا إلى ذلك إلّا القليل. فأمر بهم فضربوا وحبسوا.

ونابذ طائفة من الفقهاء المهدي حتى إنّه أدخل برجل على الوالي فقال له الوالي: قل: لا إله إلّا الله!

فقال له: أمّا من قولك، فلا. إنّي لا أدري ما تقول لي بعدها.

ودخل إليه بآخر وبين يديه مصحف فقال له:

أليس هو القرآن؟

فقال له: ما أعرف ما هو.

ووجد رجل من أصحاب المهديّ المشارقة مقتولا فأتوا إليه وقالوا: قتل رجل من الأولياء.

قال: وأين هو؟

قالوا له: أكلوه ولم يبق إلّا عظام ساقيه.

فقال المهدي: هذا بلد لا يحلّ أن يقام فيه.

وأمر بقتل المحبوسين إن لم يرجعوا عمّا هم عليه، فقتل منهم على ما قيل أربعة آلاف رجل في العذاب ما بين عابد ورجل صالح، ولذلك قال سهل في قصيدته [الكامل]:

وأحلّ دار البحر في أغلاله ... من كان ذا تقوى وذا صلوات (٢)

واستقامت الدولة للمهدي. وعرض عليه أبو عبد الله جواري زيادة الله بن الأغلب اللاتي كان أبو عبد الله أخذهنّ فيما أخذ من أموال ابن الأغلب عند فراره. فاختار المهديّ كثيرا منهنّ لنفسه ولولده أبي القاسم، وصرف ما بقي على وجوه كتامة. وقسم عليهم الأعمال ودوّن الدواوين وجبى الأموال، واستقرّت قدمه ودان له أهل البلاد واستبدّ بالأمر وحده وانفرد بالتدبير دون كلّ أحد.

[[مقتل أبي عبد الله]]

فدخل قلب أبي العبّاس فساد نيّة وحسد كبير، فإنّه كان قد استخلفه أخوه أبو عبد الله على القيروان، وكان إليه الأمر والنهي حتى وصل المهدي وباشر الأمور بنفسه، فشقّ عليه الفطام، وأقبل يزري على المهديّ في مجلس أخيه ويتكلّم فيه، ويعنّفه على تسليم الأمر إلى المهديّ، حتّى أثّر كلامه في قلب أخيه وتغيّر. ثمّ أقبل (١*) على الشيوخ وأغراهم بالمهديّ وحرّضهم على قتله، إلى أن اتّفقوا على الفتك به، وقصدوا ذلك مرارا، والأقدار تحول بينهم وبين ذلك. ثمّ أخذ يغضّ من المهديّ ويقول: إنّ هذا ليس بالذي كنّا نعتقد طاعته، ولقد كان ظنّنا فيه فاسدا، لأنّ المهديّ الحقيقيّ يأتي بالآيات والمعجزات حتى إنّه يختم بخاتمه على البلاد. وأمّا هذا فقد أخطأنا فيه.

فأثّر في قلوبهم، وواجه المهديّ أبو موسى هارون بن ينس الذي يقال له «شيخ المشايخ» من كتامة، وقال له: «إن كنت [٢٢١ ب] المهديّ فأظهر لنا آية، فقد شككنا فيك». فغضب المهدي وأمر بضرب عنقه.

وفي جميع هذه الأمور، والمهدي يغضي عند


(١) الحادثة مرويّة في رياض النفوس للمالكي، ٢/ ٤٣:
ترجمة جبلة بن حمود.
(٢) البيت لسهل الورّاق من قصيدة في هجو بني عبيد، انظر: -
- رياض النفوس ٢/ ٤٩٦.
(١*) أسند المترجم الضمير إلى أبي عبد الله خطأ.

<<  <  ج: ص:  >  >>