إسحاق بن منصور في شعبان سنة تسع وأربعين ومائتين. فكتب إلى عمّال المشرق والمغرب ثلاثمائة كتاب، إلى أن كتب للموفّق أبي أحمد طلحة. وتعيّن للوزارة وذكر لها عند ما تقلّد المعتمد الخلافة. ثمّ خلف الوزير أبا الحسن عبيد الله بن يحيى بن خاقان. فلمّا مات ابن خاقان أحضر الحسن في يوم السبت لإحدى عشرة خلت من ذي القعدة سنة ثلاث وستّين ومائتين، وهو غد اليوم الذي مات فيه ابن خاقان، واستوزره [٣٧٦ أ] المعتمد، وخلع عليه في يوم الاثنين لثلاث عشرة خلت منه، فاجتمعت له الوزارة وكتابة الموفّق.
وبقي أيّاما إلى أن دخل موسى بن بغا سرّ من رأى، فسأل المعتمد أن يستوزر سليمان بن وهب، فأجابه إلى ذلك. فبلغ الحسن الخبر فاستتر فياليوم الرابع من دخوله وسار إلى بغداد. وكانت وزارته هذه تسعة وعشرين يوما.
ثمّ قبض عليه عبيد الله بن سليمان بن وهب بعد ما ولي أبوه، لستّ خلون من المحرّم سنة ثلاث وستّين [ومائتين] وظفر به بعد ثلاثة أيّام وعذّبه وطالبه بالأموال، وأخذ خطّه بألف ألف دينار، فأكبر جميع الكتّاب ذلك وعدوّه من عظيم خطإ سليمان وابنه إذ سنّا مطالبة الكتّاب بمثل هذه الأموال، وابتدأ الحسن بأداء المال شيئا فشيئا.
وكان الذي فعل به موسى بن بغا، فتوفّى موسى في المحرّم سنة أربع وستّين، وأخرج الحسن من محبسه وأسقط ما كان عليه وردّت عليه ضياعه.
وقبض على سليمان وقيّد ونهبت داره، في ربيع الآخر. وأعيد الحسن إلى الوزارة ثانيا بعد سليمان بن وهب في شوّال منها، وخلع عليه. فلم تمض له الأمور، وهرب إلى بغداد، فكتب في قبض أمواله. وولي بعده الوزارة أبو الصقر إسماعيل بن بلبل مديدة يسيرة.
فتذكّر المعتمد كفاية الحسن بن مخلد، فاستفتى الفقهاء في اليمين التي حلفها للموفّق أن لا يستعمل الحسن، فرخّص له في ذلك. وعزل ابن بلبل وجرت أحوال من القوّاد، وغلت الأسعار. فأشاروا على المعتمد أن يولي الحسن، فقبل منهم وقلّده الوزارة مرّة ثالثة، وخلع عليه في جمادى الأولى سنة خمس وستّين. فأوقع بآل وهب وطالبهم بالأموال وأخذت خطوطهم بسبعمائة ألف دينار، وأخذ خطّ ابن الفرج كاتبهم بمائة دينار، فقال الناس: هذه سنّتهم التي [٥١٨ ب] سنّوها على الحسن بن مخلد.
[تحوّله إلى مصر]
ثمّ تغيّرت الموالي على الحسن [بن مخلد] فركبوا إلى داره وقبضوا عليه ومضوا به إلى مضاربهم مكشوف الرأس بلا سراويل. ثمّ حمل إلى الأنبار، فسار إلى الرقّة وبها أبو الفتح محمد بن الفتح بن خاقان من قبل أحمد بن طولون، فبعث إلى أحمد بن طولون بقدوم الحسن بن مخلد إلى الرقّة منفيّا. وكتب الحسن إليه أيضا أن يكون عنده بمصر، فكتب أحمد بن طولون بحمله مكرّما، فقدم إلى مصر في أواخر سنة خمس وستّين.
وكان سبب لحاقه بأحمد بن طولون ما أسلف إليه أحمد في وزارته. وذلك أنّ أحوال أحمد بن طولون لمّا اتّسعت وعظم صيته، كتب فيه ماجور [التركيّ](١) من دمشق وهو يتقلّدها من قبل المعتمد على الله: أمّا بعد، فإنّه قد اجتمع لأحمد بن طولون أكثر ممّا كان تجمّع لأحمد بن عيسى بن شيخ، والخوف منه أكثر، إذ كان فيه من
(١) ماجور التركيّ والي دمشق مات سنة ٢٦٤ (الخطط ١/ ٨١٩).