للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

المماليك الناصريّة محمد بن قلاوون.

ترقّى في الخدم إلى أن أنعم عليه بإمرة وعمله حاجبا رفيقا لبدر الدين مسعود بن الخطير. ثمّ ولّاه حاجبا كبيرا عوضا عن أمير مسعود في سنة إحدى وأربعين وسبعمائة، وأنعم عليه بإقطاعه وتقدمته من غير أن يخلع عليه.

فلمّا مات السلطان قبض عليه بعد قوصون، ثمّ أخرج إلى الإسكندريّة وقتل بها هو وقوصون وغيره في شوّال سنة اثنتين وأربعين وسبعمائة.

وكان الناصر يسلّم إليه من يصادره ليعاقبه، فسلّم إليه النشو وأقاربه، فعاقبهم حتّى ماتوا تحت العقوبة. وبعثه بعد إمساك الأمير تنكز نائب الشام، فتولّى مصادرة أهلها. وسلّمه أيضا الصاحب أمين الملك ابن الغنّام فمات في عقوبته.

وكان مع هذا ليّن الجانب سليم الباطن.

١٠١٤ - بركات صاحب البديعيّة [- ٥١٣] (١)

ظهر بمصر في أيّام الأفضل ابن أمير الجيوش، واقتدى به جماعة يعرفون بالبديعيّة. وكانوا يجتمعون بدار العلم من القاهرة، وصرّحوا بأمور قبيحة. فلمّا بلغ الأفضل ذلك أمر بغلق دار العلم والقبض على بركات. فهرب واختفى عند أستاذين من أهل القصر فأدخلاه في زيّ جارية اشترياها إلى القصر، وقاما بحقّه وجميع ما يحتاج إليه. وصار أهله يدخلون إليه في بعض الأوقات.

فاتّفق أنّه مرض ومات. فقال الأستاذان لزمام القصر: إنّ إحدى عجائزنا قد توفّيت، وإنّ العجائز يغسّلنها على عادة المقصورات ويشيّعنها

إلى تربة النعمان بالقرافة- فأذن في ذلك وأطلق العدّة، وأخذا في غسله، وأخذا من أهله ثيابا معلمة وشاشيّة ومنديلا وطيلسانا مقوّرا [و] ألبساه.

فلمّا قطعوا بعض الطريق أراد الأستاذان أن يكمل الأجر بزعمهما فقالا للحمّالين: هو رجل تربيت [هـ] عندنا، فنادوا عليه نداء الرجال واكتموا الحال، وهذه أربعة دنانير لكم.

فسرّ الحمّالون بذلك ودفنوه. ثمّ عادوا إلى صاحب الدكّان وعرّفوه بما جرى وقاسموه الدنانير فخاف على نفسه وعلم أنّ هذا الأمر لا يخفى.

فمضى بالحمّالين إلى الوالي وذكر له القصّة.

فأودعهم السجن وأخذ الذهب منهم، وكتب مطالعة إلى الأفضل. فأخذها القائد أبو عبد [الله] محمد بن [أبي] شجاع فاتك البطحائيّ [الذي قيل له بعد ذلك المأمون] (٢)، وكان حينئذ يدير أمور الأفضل، فعند ما رآها قال: هو بركات المطلوب.

وأحضر الأستاذين والحمّالين وكشف عن القبر بحضورهم، فإذا هو بركات. فلمّا علم الأفضل بالقضيّة أمر الأستاذين بلعن بركات، وأحضر من كان في الاعتقال من أصحاب بركات وأمرهم بلعنه والتبرّؤ منه. فمنهم من لعنه وتبرّأ منه فأطلقه.

ومنهم من امتنع من ذلك- وكانوا خمسة نفر وصبيّا لم يبلغ الحلم. فأمر بضرب رقابهم، وقال بلفظه للصبيّ: تبرّأ منه وأنعم عليك وأطلقسبيلك.

فقال له: الله يطالبك إن لم تلحقني بهم، فإنّي مشاهد ما هم فيه- وأخذ يسفه (٣) على الأفضل.

فأمر بضرب عنقه. وطلب الأستاذين فلم يقدر عليهما. وفرّ حميد القصّار فلم يظفر به.


(١) القصّة منقولة هنا وفي الخطط ٢/ ٣٣٥ عن ابن المأمون:
أخبار مصر ٤٤.
(٢) زيادة من أخبار مصر.
(٣) قراءة ناشر أخبار مصر: وأخذ بسيفه على ...

<<  <  ج: ص:  >  >>