للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

بعد، فقد توجّه إليك الحسين، وفي مثله تعتق أو تكون عبدا، تسترقّ كما يسترقّ العبيد.

وقدّم الحسين مسلم بن عقيل بن أبي طالب إلى الكوفة وأمره أن يكتب إليه بخبرهم. فقدم الكوفة وعليها النعمان بن بشير، وكتب إليه: إنّي قدمت الكوفة فبايعني منهم إلى أن كتبت ثمانية عشر ألفا، فعجّل القدوم، فإنّه ليس دونها مانع.

فلمّا أتاه كتاب مسلم أغذّ السير حتّى انتهى إلى زبالة (١). فجاءت رسل أهل الكوفة إليه بديوان فيه أسماء مائة ألف. وكان النعمان بن بشير الأنصاريّ على الكوفة. فخاف يزيد أن لا يقوم النعمان على الحسين، فكتب إلى عبيد الله بن زياد وهو على البصرة- وكان ساخطا عليه وهمّ بعزله عن البصرة- فضمّ إليه الكوفة، وكتب إليه بإقبال الحسين إليها، فإن كان لك جناحان فطر حتى تسبق إليها واقتل مسلم بن عقيل.

[استعداد زياد لقمع التحرّك الشيعيّ]

فأقبل عبيد الله بن زياد على الظهر سريعا حتى قدم الكوفة، فأقبل متعمّما متنكّرا حتى دخل السوق، وهم يظنّون أنّه الحسين، فجعلوا يقولون لعبيد الله: يا ابن رسول الله، الحمد لله الذي أراناك- وجعلوا يقبّلون يده ورجله.

فقال عبيد الله: لشدّ ما فسد هؤلاء! - ثمّ مضى حتّى دخل المسجد فصلّى ركعتين ثمّ صعد المنبر وكشف عن وجهه. فلمّا رآه الناس مال بعضهم على بعض وأقشعوا عنه (٢).

وكان قدم مع عبيد الله من أهل البصرة شريك بن الأعور الحارثيّ، وكان شيعة لعلي بن أبي طالب.

فنزل على هاني بن عروة. فاشتكى شريك- وكان

عبيد الله يعوده في منزل هاني، ومسلم بن عقيل هناك لا يعلم به- فهيئوا لعبيد الله ثلاثين رجلا يقتلونه إذا دخل عليهم. وأقبل عبيد الله فدخل على شريك يسأل عنه. فجعل شريك يقول [البسيط] (٣):

ما تنظرون بسلمى أن تحيّوها؟

اسقوني ولو كانت فيها نفسي!

فقال عبيد الله: ما تقول؟

قالوا: يهجر (٤).

وتخشخش القوم في البيت، وأنكر عبيد الله ما رأى منهم، فوثب وخرج، ودعا مولى هاني بن عروة- وكان في الشرطة- فسأله فأخبره الخبر.

فكان أوّل من مضى حتى دخل القصر وأرسل إلى هاني بن عروة وهو يومئذ ابن بضع وتسعين سنة، فقال: ما حملك على أن تجير عدوّي وتنطوي عليه؟ .

فقال: يا أخي، إنّه جاء حقّ هو أحقّ من حقّك وحقّ [صاحبك].

فوثب عبيد الله، وفي يده عنزة (٥) فضرب بها رأس هاني حتى خرج الزّجّ واغترز في الحائط ونثر دماغ الشيخ فقتله.

وبلغ الخبر مسلم بن عقيل فخرج في نحو أربعمائة من الشيعة، فما بلغ القصر إلّا وهو في ستّين رجلا. وغربت الشمس وكثرهم (٦) أصحاب عبيد الله بن زياد. وجاء الليل فهرب مسلم حتى دخل على امرأة من كندة فاستجار بها. وعلم بذلك محمد بن الأشعث بن قيس الكنديّ فأخبر به


(١) زبالة: بطريق مكّة من الكوفة (ياقوت).
(٢) أقشعوا: تفرّقوا.
(٣) جا في مقاتل الطالبيين للأصبهاني ص ٦٨ رجز في ثلاثة أشطر الأول منها والثاني هما:
ما الانتظار بسلمى أن تحيّوها ... حبّوا سليمى وحيّوا من يحيّيها
(٤) يهجر: يهذي.
(٥) عنزة: عكّازة لها زجّ في أسفلها.
(٦) كثروهم: غلبوهم كثرة. وفي المخطوط قبل هذا: فلمّا بلغ ... إلّا ...

<<  <  ج: ص:  >  >>