للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

جنبك. اللهمّ فارض عنهم، وضاعف حسناتهم، وامح عنهم سيّئاتهم، وأبق نعمتك عليهم في أعقابهم، إنّك مجيب سميع قريب».

ونزل فانصرف إلى قصره، وأمر بإطعام العوامّ، وبصدقات فرّقت في الفقراء والمساكين.

وفي يوم الأربعاء لعشر بقين من ذي القعدة، وصل رأس فضل بن أبي يزيد، وكان زحف من جبل أوراس إلى مدينة باغاية فحاصرها إلى أن خدعه رجل يقال له باطيط بن يعلى وقتله.

[[خطبة عيد النحر بعد الظفر بالفضل]]

وركب المنصور من قصره بالمهديّة لصلاة عيد النحر على الرسم الذي تقدّم في يوم الفطر، فصلّى بالناس ثمّ صعد المنبر فقال:

«بسم الله الرحمن الرحيم. الله أكبر! الله أكبر! لا إله إلّا الله.

«والله أكبر! الله أكبر! ولله الحمد والملك والخلق. تبارك الله ربّ العالمين. مدبّر الأمور، وباعث من في القبور. وأشهد أن لا إله إلّا الله وحده لا شريك له، الذي لبس العزّة، وارتدى العظمة، وانفرد بالجبروت والأزليّة، وتوحّد بالملكوت والربوبيّة، العزيز الغفّار، المتكبّر الجبّار، المتعالي عن الصفات، المعروف بالآيات البيّنات، المعبود في الأرضين والسماوات.

«وأشهد أن محمّدا عبده ورسول، خاتم أنبيائه، وسيّد أصفيائه، وأكرم أوليائه، بعثه بالهدى، مبصّرا من العمى، منقذا من الضلالة والرّدى، وأكمل به على العباد نعمته وإحسانه، وأبان به سخطه ورضوانه، فبلّغ عليه السلام الرسالة، وصرّح بالبشارة، وأعلن النّذارة، وكشف الله به الظلماء، وأبطل الجاهليّة الجهلاء، حتّى تآلف النّافر، وآمن الكافر، وعبد الجاحد، وأذعن المعاند، وأصبح الحقّ واضحا بعد دروسه، مضيئا بعد طموسهبأصنام معبودة، وقلوب كافرة، وأيد عليه متظافرة، إلى أن أذن الله بإظهار دينه على الدين كلّه.

«صلوات الله على محمّد سيّد الأنبياء، المضطلع بالأعباء، الصابر على البأساء والضرّاء، الباذل لله نفسه أعزّ الأنفس قدرا، وأجلّها عند الله خطرا، وأرفعها في الملأ الأعلى ذكرا، لا يسأل العباد على ذلك أجرا إلّا المودّة في القربى، كما أمره ربّه ليكون الودّ لأئمّة الهدى من ذريّته سببا لشفاعته والحشر في زمرته.

«الله أكبر! الله أكبر! لا إله إلّا الله! والله أكبر! الله أكبر! ولله الحمد والعظمة والمجد!

«عباد الله، إنّ يومكم هذا يوم عيد أوجب الله تعظيمه وتكريمه، افتتح به الأيام المعدودات، وختم به الأيام المعلومات، وجعله علما للميقات، لحجّ بيته الحرام المعظّم، العتيق المكرّم، تفتح فيه أبواب السماء، لقبول الدعاء.

فادعوا الله مخلصين، وابتهلوا إليه راغبين، تقرّبا بما أمركم [و] وزعكم (١)، من بهيمة الأنعام [١٩٨ ب]، وأفضلها إناث الإبل، وإناث البقر، وفحول الضأن. ومن ضحّى بجذع من المعز لم يجز عنه، وجذع الضأن يجزي، وكلّ ذبيح قبل الصلاة لحم محلّل، وبعد الصلاة قربان متقبّل.

وتمام الأضاحي سلامة الأعين والآذان، فاجتنبوا مرضاها ومشوّهاتها، بزيادة الأعضاء ونقصانها، وأحدّوا الشّفار (٢) لها، وارفقوا عند الذبح بها.

فَإِذا وَجَبَتْ جُنُوبُها فَكُلُوا مِنْها وَأَطْعِمُوا الْقانِعَ وَالْمُعْتَرَّ [الحجّ: ٣٦]، كَذلِكَ سَخَّرْناها لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ [الحجّ: ٣٦].


(١) وزعه يزعه وأوزعه الأمر: ألهمه إيّاه وكلّفه به.
(٢) الشفرة: السكين العظيمة.

<<  <  ج: ص:  >  >>