للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

القرآن، قصدا لتبكيتهم ولاتّساع نطاقه، وقوّة سبحه في العلوم الدنيويّة والأدبيّة والنجوميّة، وإفراط ذكائه وفطنته وسرعة خاطره وجودة بديهته.

وكان مؤدّبه أبو الحسن علي بن القارح دوخلة.

فقال له يوما علي بن الحسين المغربيّ: أنا أخاف همّة ابني أبي القاسم أن تنزو به إلى أن يوردنا وردا لا صدر عنه. فإن كانت الأنفاس ممّا يحفظ ويكتب فاكتبها واحفظها وطالعني بها.

فلمّا كان في بعض الأيّام قال أبو القاسم لمؤدّبه دوخلة: ترضى بالخمول الذي نحن فيه؟

فقال: وأيّ خمول هنا؟ تأخذون من مولانا الحاكم بأمر الله في كلّ سنة ستّة آلاف دينار، وأبوك من شيوخ الدولة وهو معظّم مكرّم.

فقال: أريد أن تصير إلى أبوابنا الكتائب والمواكب والمقانب ولا أرضى بأن يجرى علينا كالولدان والنسوان.

فأعاد دوخلة ذلك على أبيه، فقال: ما أخوفني أن يخضب أبو القاسم هذه من هذه- وقبض على لحيته وهامته- وصدقت فراسته في أبي القاسم.

وقتل الحاكم بأمر الله أبو علي منصور ابن العزيز بالله، أبا الحسن علي بن الحسين المغربيّ والد الوزير أبي القاسم، وقتل أخاه أبا عبد الله محمد عمّ الوزير [٤٥٧ ب] أبي القاسم، وقتل محسنا ومحمّدا، أخوي الوزير أبي القاسم، لثلاث خلون من ذي القعدة سنة أربعمائة.

[التجاؤه إلى بني الجرّاح بعد نكبة أسرته]

ففرّ الوزير أبو القاسم من مصر في هيئة جمّال، للثاني من ذي القعدة المذكور، وتوجّه إلى الشام مع بعض العربان، ونزل محلّه حسّان بن المفرّج بن دغفل بن الجرّاح الطائيّ، واستجار به من الحاكم فأجاره. وأنشد عند ما دخل عليه [الكامل]:

أمّا وقد خيّمت وسط الغاب ... فليقسونّ على الزمان عتابي

يترنّم الفولاذ دون مخيّمي ... وتزعزع الخرصان حول قبابي

وإذا بنيت على الثنيّة خيمة ... شدّت على كسر القنا أطنابي

وتقوم دوني فتية من طيّئ ... لم تلتبس أثوابهم بالعاب

يتناثرون على الصريخ كأنّما ... يدعون نحو غنائم ونهاب ٥

من كلّ أهرت يرتمي حملاقه ... بالجمر يوم تسايف وضراب (١)

يهديهم حسّان يحمل بزّة ... جرداء تعليه جناح عقاب

يجري الحياء على أسرّة وجهه ... جري الفرند بصارم قرضاب

كرم يشقّ على التّلاد وعزمة ... تغتال بادرة الهزبر الضابي (٢)

١٠ ولقد نظرت إليك يا ابن مفرّج ... في منظر ملء الزمان عجاب

والليل ملتفّ الذوائب بالقنا ... والحرب سافرة بغير نقاب

فرأيت وجهك مثل سيفك ضاحكا ... والذّعر يلبس أوجها بتراب

[٣٩١ أ] ورأيت بيتك للضيوف ممهّدا ... فسح الظلال مرفّع الأبواب


(١) الأهرت من صفات الأسد، والحملاق بالكسر والضم:
باطن العين.
(٢) الضابي (من ضبا): المشرف على القوم المترصّد لهم.

<<  <  ج: ص:  >  >>