للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

يسلّم زياد عليه. فقال له ابن عبّاس: ما هذا الهجران يا أبا المغيرة؟

فقال: ما ههنا بحمد الله سوء ولا هجران، ولكنّه مجلس لا يقضى فيه إلّا حقّ أمير المؤمنين وحده.

وعن ابن شهاب قال: وفد أبو أيّوب الأنصاري رضي الله عنه على معاوية، فقضى حوائجه. ثم قال له أبو أيّوب: يا أمير المؤمنين، لي مال ولا غلمان فيه، فأعطني مالا أشتري به غلمانا.

فقال: ألم أعطك لوفادتك، وأقض (١) حوائجك في خاصّتك [٢١٠ أ] وعامّتك؟

قال: بلى.

قال: فما عندي شيء سوى ذلك.

فقال أبو أيّوب: إلّا تفعل يا معاوية، فإنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال لنا: إنّكم ستلقون بعدي أثرة يا معاشر الأنصار، فاصبروا حتّى تلقوني.

قال: فاصبر يا أبا أيّوب.

قال: أقلتها يا معاوية؟ والله لا أسألك بعدها شيئا أبدا!

وبلغ ابن عبّاس قول معاوية، وهو يومئذ وافد عليه، وقد تيسّر للخروج. فأعطى أبا أيّوب قيمة مائة مملوك، وأعطاه جميع ما كان في داره، ثمّ شخص.

وسعى ساع إلى ابن عبّاس برجل فقال: إن شئت نظرنا فيما قلت: فإن كنت كاذبا عاقبناك، وإن كنت صادقا مقتناك. وإن أحببت أقلناك.

قال: هذه.

وقال مجاهد: كان عبد الله بن عبّاس أمدّهم قامة، وأعظمهم جفنة، وأوسعهم علما. ولو أشاء أن أبكي كلّما ذكرته بكيت.

ولمّا أخرج عبد الله بن الزبير محمد بن الحنفيّة

عن مكّة، أغلظ له ابن عبّاس وقال له: أتخرج بني عبد المطّلب عن حرم الله، وهم أحقّ به منك؟

فقال: وأنت أيضا، فالحق به!

فخرج إلى الطائف فمات بها.

[صفة ابن عبّاس]

وأوصى ابنه عليّا بإتيان الشام والتنحّي عن سلطان ابن الزبير إلى سلطان عبد الملك بن مروان، فكان عبد الملك يحفظ له ذلك. وسكن عليّ دمشقو ابتنى بها دارا، ثم صار وولده إلى الحميمة وكداد من عمل دمشق.

وقال معاوية بن صالح عن عليّ بن أبي طلحة:

كان عبد الله بن عبّاس مديد القامة، جيّد الهامة، مستدير الوجه جميله، أبيض وليس بالمفرط البياض، سبط اللحية، في أنفه قنا، معتدل الجسم. وكان أحسن الناس عينا قبل أن يكفّ بصره. وكفّ قبل موته بستّ سنين أو نحوها.

وتوفّي بالطائف. وقال الواقدي: فنزل في قبره وتولّى دفنه عليّ بن عبد الله، ومحمّد بن الحنفيّة، والعبّاس بن محمد بن عبد الله بن العبّاس، وصفوان، وكريب، وعكرمة، وأبو معبد، مواليه.

وكان يخضب بالحنّاء ثمّ صفر.

وقال عمران بن أبي عطاء: أدخل ابن الحنفيّة ابن عبّاس قبره معترضا، وصلّى عليه فكبّر أربعا (١*)، وضرب على قبره فسطاطا ثلاثة أيّام.

ومات سنة ثمان وستّين، وهو ابن إحدى وسبعين [٢١٠ ب] سنة وأشهر، أو ابن اثنتين وسبعين سنة- وقيل: كان عمره سبعين سنة- والأوّل أثبت. وكان مرضه ثمانية أيّام.

وسمع محمد بن الحنفيّة يقول في جنازته:


(١) في المخطوط: وأقضي.
(١*) لم يكبّر خمسا كما يفعل الشيعة. وانظر أعلاه ص ١٦٩ هـ ١.

<<  <  ج: ص:  >  >>