للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

[[اعتقله قلاوون وأفرج عنه الأشرف خليل]]

فلمّا ولي قلاوون السلطنة داراه مدّة، ثمّ قبض عليه في أوّل صفر سنة إحدى وثمانين وستّمائة، واعتقله في الجبّ (١) بقلعة الجبل، إلى أن أفرج عنه الملك الأشرف خليل في يوم الأربعاء ثامن عشر شعبان سنة تسعين، وكتب له إفراجا سلطانيّا نسخته: «الحمد لله على نعمه الكاملة، ومراحمه الشاملة، وعواطفه التي أضحت [بها] (٢) بدور الإسلام بازغة غير آفلة، ومواهبه التي تجول وتجود وتحيي رميم الآمال في يومها بعد رمسها بأمسها في أضيق من اللحود، ويقرّ لها بالفضل كلّ جحود. أحمده حمدا يعيد سالف النعم، ويفيد آنف الكرم، الذي خصّ وعمّ. وأشهد أنّ لا إله إلّا الله وحده لا شريك له، شهادة نؤدّي حقوقها ونجتنب عقوقها، وأشهد أنّ محمدا عبده ورسوله، المبعوث بمكارم الأخلاق، والمنعوت بالحلم والعلم على الإطلاق، صلاة لا تزال عقودها حسنة الاتّساق [صلّى الله عليه] وسلّم تسليما كثيرا».

«وبعد، فإنّ أحقّ من عومل بالجميل، وبلغ من مكارم هذه الدولة القاهرة الرجاء والتأميل، من إذا ذكرت أبطال الإسلام كان أوّل مذكور، وإذا وصفت الشجعان كان أمام صفّ كلّ شجاع مشهور، وإذا تزيّنت سماء الملك بأنجم كان بدرها المنير، وإذا اجتمع ذوو الآراء على امتثال أمر كان خير مشير، وإذا عدّت أوصاف أولي الأمر كان أكبر أمير، كم تجمّلت المواكب من حوله بأعلى قدر، وترتّبت المراتب منه بأبهى بدر، وهو المقرّ

الأشرف العالي المولويّ الكبيريّ البدريّ بيسريّ الشمسيّ الصالحيّ النجميّ الملكيّ الأشرفيّ، فهو الموصوف بهذه الأوصاف والمدح، والمعروف بهذه المكارم والمنح. فلذلك اقتضى حسن الرأي الشريف العالي المولويّ السلطانيّ الملكيّ الأشرفيّ الصلاحيّ- لا زالت الكرب في أيّامه تكشف، والبدور تكتسي في دولته الغرّاء شرفا ولا تخسف- أن يفرج عنه في هذه [الساعة] من غير تأخير، ويمثل بين يدي المقام الأعظم السلطانيّ بلا استئذان نائب ولا وزير، إن شاء الله».

وجعل الإفراج في كيس أطلس أصفر، وختم عليه بخاتم السلطان، وتوجّه به إلى الجبّ الأمير بدر الدين بيدرا نائب السلطنة، والأمير زين الدين كتبغا في جماعة من أكابر الأمراء. وأخرج [بيسريّ] من الجبّ بقلعة الجبل، وقرئ عليه الإفراج، ورسم بكسر قيده، وأحضر إليه التشريف السلطان [يّ]. فقال: لا نفكّ القيد ولا نلبس التشريف إلّا بعد أن نمثل بين يدي السلطان- وصمّم على ذلك. فأعلم السلطان بما قال، فرسم بفكّ القيد وحضوره بما عليه من هيئة السجن. فكسر القيد وحضر. فعند ما رآه السلطان انتصب له قائما وتلقّاه وأكرمه، وألبسه التشريف وأجلسه بجانبه، وأنعم عليه بأموال جزيلة وأقمشة كثيرة، وأمّره لوقته على مائة فارس بإقطاع جليل، من جملته منية بني خصيب دربستا (٣) بالجوالي والمواريث الحشريّة (٤).

وقرّبه وأدناه واختصّ به في خلواته، فكان


(١) جبّ القلعة: وصف المقريزيّ هذا المطبق الفظيع في السلوك ٢/ ٣١٠ وفي الخطط ٣/ ٣٠٦.
(٢) نقل ناشر السلوك ١/ ٧٦٩ هامش ٤ نصّ هذا الإفراج نقلا عن نهاية الأرب للنويريّ. والإكمال منه.
(٣) دربستا كلمة فارسيّة بمعنى: كاملة (حاشية ناشر السلوك ١/ ٧٧٠ رقم ١ وص ٨٨٤ حاشية ٧).
(٤) المواريث الحشريّة هي التركات التي لا وارث لها، فتعود إلى خزانة السلطان. السلوك ١/ ٧٧٠ حاشية ٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>