للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

فلمّا بلغ المأمون ذلك جمع من عنده من قوّاد أبيه، وهم: عبد الله بن مالك، ويحيى بن معاذ، وشبيب بن حميد بن قحطبة، والعلاء مولى هارون، وهو على حجابته، والعبّاس بن المسيّب بن زهير، وهو على شرطته، وأيّوب بن أبي سمير، وهو على كتابته، وعبد الرحمن بن عبد الملك بن صالح، وذو الرئاستين الفضل بن سهل، وهو أعظمهم عنده قدرا وأخصّهم به.

واستشارهم فأشاروا عليه أن يلحقهم في ألفي فارس جريدة فيردّهم. فخلا به ذو الرئاستين وقال: إن فعلت ما أشار به هؤلاء جعلوك هديّة إلى أخيك. ولكنّ الرأي أن تكتب إليهم كتابا وتوجّه رسولا تذكّرهم البيعة وتسألهم الوفاء وتحذّرهم الحنث وما فيه دنيا وآخرة.

ففعل ذلك ووجّه سهل بن صاعد، ونوفلا الخادم، ومعهما كتاب. فلحقا الجند والفضل بن الربيع بنيسابور، فأوصلا الكتاب إلى الفضل فقال: «إنّما أنا واحد من الجند». وشدّ عبد الرحمن بن جبلة الأنصاري (١) على سهل بالرمح ليطعنه فأمرّه على جنبه وقال له: قل لصاحبك:

«لو كنت حاضرا لوضعته فيك! » وسبّ المأمون.

فرجعا إليه بالخبر فقال له ذو الرئاستين: أعداء استرحت منهم، ولكن افهم عنّي: إنّ هذه الدولة لم يكن قطّ أعزّ منها أيّام المنصور، فخرج عليه المقنّع وهو يدّعي الربوبيّة أو يطلب بدم أبي مسلم، فضعضع العسكر لخروجه بخراسان. ثمّ خرج بعده يوسف البرم، وهو عند المسلمين كافر فتضعضعوا أيضا له. فأخبرني أنت أيّها الأمير، كيف رأيت الناس عند ما ورد عليهم خبر رافع بن

الليث بن نصر بن سيّار؟

قال: رأيتهم اضطربوا اضطرابا شديدا.

قال: فكيف بك، وأنت نازل في أخوالك، وبيعتك في أعناقهم، كيف يكون اضطراب أهل بغداد؟ اصبر، وأنا أضمن لك الخلافة!

قال المأمون: قد فعلت وجعلت الأمر إليك فقم به.

قال ذو الرئاستين: والله لأصدقنّك! إنّ عبد الله بن مالك ومن معه من القوّاد إن قاموا لك بالأمر كانوا أنفع لك منّي برئاستهم المشهودة وبما عندهم من القوّة. فمن قام بالأمر كنت خادما له حتّى تبلغ أملك وترى رأيك.

وقام ذو الرئاستين فأتاهم في منازلهم وذكر لهم البيعة وما يجب عليهم من الوفاء، فكأنّما جاءهم بجيفة على طبق فقال بعضهم: هذا لا يحلّ، اخرج!

وقال بعضهم: من الذي يدخل بين أمير المؤمنين وبين أخيه؟

[[تكليف الفضل بن سهل بأمر المأمون]]

فخرج وأتى المأمون فأخبره فقال له: قم بالأمر.

فقال له الفضل: إنّك أيّها الأمير [١١٦ أ] قد قرأت القرآن وسمعت الأحاديث وتفقّهت في الدين. فأرى أن تبعث إلى من بحضرتك من الفقهاء فتدعوهم إلى الحقّ والعمل به وإحياء السنّة. وتقعد على الصوف وتردّ المظالم.

ففعل ذلك جميعه وأكرم القوّاد والملوك وأبناء الملوك. وكان يقول للتميميّ: نقيمك مقام موسى بن كعب، وللربعي: نقيمك مقام أبي داود خالد بن إبراهيم، ولليماني: نقيمك مقام قحطبة ومالك ابن الهيثم- وكلّ هؤلاء نقباء الدولة العبّاسيّة.


(١) هكذا في المخطوط، وعند الطبريّ، ٨/ ٢٧١ و ٤١٦:
الأبناوي. وفي اللباب: الأبناويّ: نسبة إلى الأبناء وهم أولاد الفرس باليمن.

<<  <  ج: ص:  >  >>