للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

إهلاكه وقطع أثره. وإذا انتقم لا يرحم أحدا ولا يبالي بعاقبة. وكان له ولأهله كلمة يروونها ويعملون بها كما يعمل بالأقوال الإلهيّة، وهي:

«إذا كنت دقماق [ا] (١) فلا تكن وتد [ا]! » وكان الواحد منهم يعيد هذه الكلمة في كلّ يوم مرّات ويجعلها حجّة عند انتقامه.

وكان قد استولى على الملك العادل ظاهرا وباطنا وحجب عنه كلّ أحد ولم يمكّن أحدا من الدنوّ منه ولا الوصول إليه، حتى الطبيب والحاجب والفرّاش كان له عليهم أعين فلا يتكلّم أحد منهم بكلمة خوفا منه.

وكان أكبر أغراضه إبادة أرباب البيوت ومحو آثارهم وهدم ديارهم، وتقريب شرار ال [س] فهاء (٢) وسقّاط الناس.

[أعماله المعماريّة]

وكان لا يأخذ من مال السلطان فلسا ولا ألف دينار، ويبالغ في إظهار الأمانة، فإذا لاح له مال عظيم احتجنه. وكان مبلغ إقطاعه في السنة مائة ألف دينار وعشرين ألف دينار. وهو الذي بلّط الجامع الأمويّ بدمشق في سنة إحدى عشرة وستّمائة من مال السلطان الملك العادل، وكان الجامع كلّه حفرا وجورا (٣)، فأعجب الناس بذلك، وأحاط على مصلّى دمشق سورا، وعمل الفوّارة وعمّر جامع المزّة.

وفي آخر عمره عمي فأظهر جلدا عظيما وعدم استكانة بحيث لم يتبيّن عليه العمى، وإذا حضر إليه الأمراء والأكابر وجلسوا على خوانه قال:

قدّموا اللون الفلاني للأمير فلان، واللون الفلانيّ

للصدر فلان، ولون كذا للقاضي فلان، ويبني أموره في معرفة مكان المشار إليه برموز ومقدّمات يكابر فيها دوائر الزمان فيمشي هذا منه على الناس ولا يفطن بعماه.

وكان يتشبّه في ترسّله بالقاضي الفاضل، وفي محاضراته بالوزير عون الدين ابن هبيرة حتى اشتهر عنه ذلك، ولم يكن فيه أهليّة هذا، لكنّه كان من دهاة بني آدم. وكان إذا لحظ إنسانا لا يقنع له إلّا بكثرة الغنى ونهاية الرفعة ويرى مع ذلك أنّه مقصّر. وإذا غضب لا يتأخّر عن قطع دابر من غضب عليه. وكان كثيرا ما ينشد [البسيط]:

إذا وترت امرأ فاحذر عداوته ... من يزرع الشوك لا يحصد به عنبا (١*)

وينشد كثيرا [الطويل]:

تودّ عدوّي ثمّ تزعم أنّني ... صديقك، إنّ الرأي منك لعازب (٢*)

وأخذه مرة مرض من حمّى قويّة وحدث به النافض (٣*)، وهو في مجلس [٢٣٨ أ] السلطان ينفّذ الأشغال فلم يتأثّر ولا ألقى جنبه إلى الأرض وتمادى في شغله حتى ذهبت.

وكان يتعزّز على الملوك والجبابرة، ويلزم رؤساء الناس وكبراءهم بالوقوف على بابه من نصف الليل ومعهم المشاعل والشموع إلى الصبح، فإذا كان الصباح ركب ولا يراهم ولا يرونه لأنّه عند ما يخرج، إمّا أن يرفع رأسه إلى السماء تيها، وإمّا أن يعرّج على طريق غير طريقهم التي هم بها، وإمّا أن يأمر الجانداريّة (٤*) التي في


(١) الدقماق: المطرقة.
(٢) في الخطط ٢/ ٣٧٣: وشرار الفقهاء.
(٣) الجورة: ما تهدّم من البنيان.
(١*) البيت لعبد الله بن معاوية الطالبيّ (ت ١٢٩). ديوانه جمع عبد الحميد الراضي ٣٣. وانظر الزركلي ٤/ ٢٦٢.
(٢*) البيت للعتّابي، انظر عيون الأخبار، ٣/ ٦.
(٣*) النافض: رعدة الحمّى.
(٤*) الجاندار (فارسيّة): حارس السلطان.

<<  <  ج: ص:  >  >>