للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

تقنع بما رأيت؟

[[دخوله في السياحة]]

فخرج إبراهيم سائحا إلى الله عزّ وجلّ على وجهه.

[١١ أ] فلقيه رجل حسن الوجه حسن الثياب طيّب الريح فقال له: يا غلام، من أين؟

قال له إبراهيم: من الدنيا إلى الآخرة.

فقال له: يا غلام، أنت جائع؟

قال: نعم.

فقام الشيخ فصلّى ركعتين خفيفتين وسلّم، فإذا عن يمينه طعام، وعن شماله ماء. فقال له: كل!

فأكل بقدر شبعه، وشرب بقدر ريّه. فقال له الشيخ: اعقل وافهم! لا تحزن ولا تستعجل، فإنّ العجلة من الشيطان. وإيّاك والتمرّد على الله، فإنّ العبد إذا تمرّد على الله أورث الله قلبه الظّلمة والضلالة، مع حرمان الرزق. ولا تسأل الله عزّ وجلّ في أيّ واد [ت] هلك (١). يا غلام، إن الله عزّ وجل إذا أراد بعبد خيرا جعل في قلبه سراجا يفرّق به بين الحقّ والباطل. والناس فيه [م] امتشابهون.

يا غلام، إنّي معلّمك اسم الله الأعظم، فإذا أنت جعت، فادع الله به حتّى يشبعك، وإذا عطشت فادع الله عزّ وجل به حتّى يرويك. وإذا جالست الأخيار فكن لهم أرضا يطئوك، فإنّ الله يغضب لغضبهم، ويرضى لرضاهم.

يا غلام، خذ كذي حتى آخذ كذي. (قال) فلم أبرح. فقال الشيخ: «اللهمّ احجبني عنه واحجبه عنّي! » فلم أدر أين أخذ.

فأخذت في طريقي ذلك. وذكرت الاسم الذي علّمني، فلقيني رجل حسن الوجه طيّب الريح

حسن الثياب، فأخذ بحجزتي وقال لي [ما] حاجتك؟ ومن لقيت في سفرك هذا؟

قلت: شيخا من صفته كذا وكذا، وعلّمني كذا.

فبكى. فقلت: أقسمت عليك بالله، من ذلك الشيخ؟

قال: ذاك إلياس عليه السلام أرسله الله إليك ليعلّمك أمر دينك.

فقلت له: فأنت يرحمك الله، من أنت؟

قال: أنا الخضر.

وقال عتبة الخوّاص: سمعت إبراهيم بن أدهم يقول: من أراد التوبة فليخرج من المظالم، وليدع مخالطة من كان يخالطه! وإلّا، لم ينل ما يريد.

(وقال) التوبة الرجوع إلى الله بصفاء السرّ.

وقال أبو نعيم عن سفيان الثوريّ: إبراهيم بن أدهم كان يشبه إبراهيم خليل الرحمن. ولو كان في أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلم لكان رجلا فاضلا.

وقال عبد الرحمن بن مهديّ (٢): قلت لابن مبارك: إبراهيم بن أدهم، ممّن سمع؟

فقال: سمع من الناس. ولكن له فضل في نفسه، صاحب سرائر، وما رأيته يظهر تسبيحا ولا شيئا من الخير، ولا أكل من قوم طعاما قطّ، إلّا كان آخر من يرفع يديه من الطعام.

وقال أبو الأحوص: رأيت من بكر بن وائل خمسة ما رأيت مثلهم قطّ: إبراهيم بن أدهم، ويوسف بن أسباط، وحذيفة المرعشيّ (٣)، ونعيم العجليّ، وأبا يونس القويّ (٤).


(١) في المخطوط: هلك.
(٢) عبد الرحمن بن مهدي العنبري (ت ١٩٨) أبو سعيد الحافظ: أعلام النبلاء ٩/ ١٩٢ (٥٦).
(٣) حذيفة بن قتادة المرعشي: أعلام النبلاء ٩/ ٢٨٣ (٧٩).
(٤) هو الحسن بن يزيد العجلي (الأنساب المتّفقة ١٢٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>