للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وفي اعتزالي بهم عنه ضعف لجانبه.

واعتزلت عن طغرلبك بهم، وكان ذلك سبب الظفر به.

ثمّ إنّ طغرلبك بعث في سنة خمسين وأربعمائة إلى سنجار ألفين وخمسمائة من الغزّ إلى البساسيري وظفر بها وقتل جميعها وأفلت منهم نحو المائتي فارس. فلم يقاتل بعدها رجال الدولة الفاطميّة، وعاد من بغداد، فقوي البساسيريّ وكثف جمعه. وقصد أعمال العراق يفتحها بلدا بلدا، والوزير [اليازوريّ] يمدّه بما يستعين به على ذلك من المال والرأي والتدبير، إلى أن وصل إلى بغداد وناصب القتال، وقسم عسكره فرقتين، فرقة تقاتل في النهار، وأخرى تقاتل من صلاة المغرب إلى الفجر، حتّى دخلها وأقبل يملك محالّها وشوارعها إلى أن وصل دار الخلافة وحصرها ونصب عليها القتال من كلّ جانب وفرّق النقّابين في جميع جهاتها (١). فلمّا أشرف على أخذها صعد القائم بأمر الله إلى أعلى الدار واستشرف على الناس وأقبل ينادي: يا أهل بغداد! - ويحضّهم على نصرته والدفاع عن حوزته، واستذمّ من قريش بن بدران (٢) وطلب منه الأمان، فأخذه ومنع منه البساسيريّ، وأسلمه الوزير ابن المسلمة (٣)، واستولى البساسيريّ على دار الخلافة بما فيها وكسر منبر الجامع، وقال: هذا منبر يعلن عليه ببغض آل محمّد- وأنشأ منبرا آخر وخطب عليه للمستنصر، ثمّ لفّ ابن المسلمة في جلد ثور وصلبه حتّى جفّ عليه فمات. وأقام الخطبة

للمستنصر أربعين جمعة، والقائم معتقل في قلعة الحديثة عند مهارش (٤) نحو عشرة أشهر.

وعزم اليازوريّ أن يحمل إلى مهارش عشرة آلاف دينار، ويستخلص الخليفة من يده ويحمله إلى القاهرة على حال جميلة، فإذا قرب منها تلقّاه بأهل الدولة أحسن لقاء وبالغ في إكرامه وأنزله في القصر الغربيّ وحمل إليه ما يناسبه وأقام له الراتب السّنيّ في كلّ يوم وجعل له مائة دينار في كلّ يوم وجعله يركب في موكب المستنصر بين يديه يحجبه. فإذا ركب بين يديه عدّة ركبات وانتشر في الأقطار خبر هذا الحال، خلع عليه وعقد له ألوية الولاية للعراق وكتب عهده بتقليده إيّاه وسيّره إليه وأعاده إلى مملكته وخلافته من قبله. فمنعه حادث القدر، الذي حلّ به قبل إدراك ما في نفسه.

[تلطّفه في استرجاع حلب من المرداسيّ]

وكانت حلب قد تغلّب عليها صالح بن مرداس من أمراء بني كلاب في أيّام الظاهر لإعزاز دين الله عليّ ابن الحاكم، وكثف أمره، إلى أن ولي أمير الجيوش أنوش تكين الدزبري دمشق وأعمال الشام فحاربه وقتله. فقام من بعده ابنه شبل الدولة أبو نصر فحاربه الدزبريّ وقتله أيضا، وملك حلب واستخلف عليها من غلمانه رضيّ الدولة منجوتكين فأقام بها عدّة سنين. فلمّا مات الدزبري تغلّب على حلب ثمال بن صالح بن مرداس في وزارة الجرجرائيّ، فكتب إليه بولايتها وقرّر عليه مالا يحمله في كلّ سنة. وتمادى الحال على ذلك إلى أيّام الوزير الناصر للدين أبي محمّد اليازوريّ، فلم يرض بذلك. وعلم أنّه لا يطيق صرفه، فرجع إلى عادته في إعمال الحيلة واستعمال الخديعة، وبعث إليه بقاضي مدينة صور، فساس الأمر مع


(١) في هذه الأحداث، انظر رواية الإشارة ٤٤، وابن ميسّر (ماسيّ) ١٠.
(٢) قريش بن بدران العقيليّ في تاريخ بغداد ٩/ ٤٠٣.
(٣) ابن المسلمة: أبو القاسم عليّ بن الحسن بن أحمد رئيس الرؤساء (قتل سنة ٤٥٠). انظر الإشارة ٧٩ هـ ٤.
(٤) مهارش بن مجلّي أمير العرب، ابن عمّ قريش بن بدران (الفخري ٢٩٥، الكامل سنة ٤٥٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>